رغم الإنجاز الملحوظ الذى حققته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى مؤخرا بالحصول على موافقة قادة الاتحاد الأوروبى على البدء فى المرحلة الثانية من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى غير أن الكثيرين من المتابعين للشئون الأوروبية يؤكدون أن المرحلة المقبلة فى المفاوضات ستكون الأكثر صعوبة وستشكل اختبارا عسيرا لمستقبل ماى السياسي.
وكانت رئيس الوزراء البريطانية قد نجحت خلال الفترة الماضية فى التوصل إلى صيغة توافقية بخصوص القضايا العالقة فى مفاوضات “البريكست” والخاصة بالحدود وتسديد فاتورة الخروج والوضع القانونى لمواطنى الاتحاد فى بريطانيا.
ووافق القادة الأوروبيون على هذا الاتفاق، خلال القمة الأوروبية التى انعقدت فى 14 و15 ديسمبر الجاري، موضحين أنه قد تم إحراز تقدم ملموس يسمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات والخاصة بالعلاقات التجارية فى المستقبل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تطرح المفوضية الأوروبية اليوم مشروع مذكرات للتفاوض يتيح بدء مرحلة المفاوضات الجديدة اعتبارا من يناير القادم.
وكان من أبرز ما توصلت إليه ماى بشأن مسألة الحدود مع أيرلندا هو تعهد بريطانيا بعدم إقامة أى حدود مادية بين جمهورية أيرلندا الجنوبية، وأيرلندا الشمالية واستمرار الحدود مفتوحة بينهما دون أى عوائق فيما يتعلق بحركة الأفراد أو البضائع.
أما فيما يتعلق بفاتورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتى كانت من أكثر النقاط الخلافية بين الطرفين، فقد وافقت لندن على دفع مبلغ يترواح ما بين 35 و39 مليون يورو.
وبالنسبة لأوضاع المواطنين الأوروبيين المقيمين فى بريطانيا والبريطانيين فى الدول الأوروبية الأخرى، فقد تم الاتفاق على أنهم سيتمتعون بالحقوق نفسه عندما تغادر المملكة المتحدة التكتل. ووافقت بريطانيا كجزء من الاتفاق على حماية المواطنين الأوروبيين عبر آلية تمنح مواطنى الاتحاد الحق بالاحتكام إلى محكمة العدل الأوروبية فى حال شعروا بأنهم لا يعاملون بشكل عادل.
وعلى الرغم من هذا التقدم الذى وصفه الكثيرون بـ “الجيد” واعتُبر بمنزلة طوق نجاة لحكومة تيريزا ماى بعد عام صعب ملئ بالتوتر والاضطرابات، إلا أن هناك مخاوف جادة من المرحلة المستقبلية فى مفاوضات الطرفين للعديد من الأسباب. فمن ناحية يعتبر اتفاق المرحلة الأولى الذى تم التوصل إليه عبارة عن أطر عامة يسودها التفاهمات ولغة التطمينات، وكانت ماى تسعى من خلاله لإحراز أكبر قدر من التقدم من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية من التفاوض وحفظ ماء الوجه فى ظل الضغوط الداخلية والخارجية التى كانت تتعرض لها.
أما المرحلة المقبلة فهى مختلفة لأنها تتناول ملامح الفترة الانتقالية وشكل العلاقات البريطانية الأوروبية المستقبلية فى مرحلة ما بعد الخروج، وهى مرحلة مليئة بالتفصيلات وتحدد بشكل صريح الشراكة الاقتصادية التى ستقوم عليها علاقة الطرفين. وبالتالى يتوقع المراقبون أن تشهد تلك المرحلة حالة واضحة من الشد والجذب الذى سيختلف بدرجة كبيرة عما شهدته المرحلة الأولى من اختلافات فى وجهات النظر.