طالب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بإبعاد أصحاب الفتاوى الشاذة عن الفتوى والإعلام حفاظًا على استقرار المجتمعات.
وقال الطيب، إن العودة للحديث عن موضوع “الطلاق الشفهي” بعد أن هدأت الزوبعات والتقولات، ربما يكون من المناسب الآن ليعرف الناس بهدوء الموضوع من جُلِّ جوانبه.
وأضاف أن أمانة التبليغ عن الحكم الشرعي في هذا الموضوع هي من أولى أولويات هيئة كبار العلماء بالأزهر، بعد أن ظهرت بعض الفتاوى الشاذة بين الناس، ومن هذا المنطلق حذرت الهيئة في بيانها من هذه الفتاوى؛ لتؤكد أنه ليس كل من انتمى إلى الأزهر له الحق في الإفتاء.
وأضاف – في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية- أن الفقهاء قالوا بوجوب الحجر على السفيه الذي يبدد ماله ولا يصرفه في مساراته الصحيحة، وكذلك الحال بالنسبة لمدعي الإفتاء يجب الحجر عليه؛ لأنه مستهين بالعلم متبع للهوى، غير ملتزم بما ورد في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة وبما أجمع عليه المسلمون، ولم يراع أصول الاستنباط السليم.
وأشار إلى أن التقدم التقني وشيوع وسائل التواصل الاجتماعي شكَّل صعوبة بالغة في إمكانية السيطرة على ضبط الفتوى، وصعَّب على طالب الفتوى القدرة على فرز الغث من السمين من بين ما يقال.
وأضاف أن هذا الوضع أصبح يشكل عبئًا كبيرًا على العلماء الذين يؤدون رسالتهم بإخلاص وخشية من الله –سبحانه- لا يخافون أحدًا سواه، ولا يبيعون دينهم ولا يتاجرون بعلمهم، هذا هو الذي حدا بالأزهر الشريف وبهيئة كبار العلماء في أن تبلغ الرسالة كما تعتقدها وتبرئ ذمتها أمام الله، وتبيِّن للناس طريق الحق وتحذرهم من سلوك طريق الباطل، وليس على الهيئة إلا البلاغ.
وأكد أن هيئة كبار العلماء انتدبت لجنة قبل أن يُثَار هذا الموضوع بسبعة أو ثمانية أشهر، وتحدثنا في حلقات سابقة عن أن هناك لجنة تكونت من علماء كلية الشريعة في الأزهر، وكلية دار العلوم من خارج الأزهر، ضممنا إليها -بعد الاتصال بوزير العدل- أحد القضاة المشتغلين بقضايا الزواج والطلاق والأحوال الشخصية بصفته أقدر الناس على تقييم الواقع الأليم الذي تشهده محاكم الأسرة.
وبين أن بعض العلماء الذين درسوا وسكنوا المدن الكبرى حدث لهم انفصال بينهم وبين مشكلات المجتمع أو بين ما يحدث على أرض الواقع في القرى والكفور من قضايا تتعلق بالشريعة والتي تنعكس سلبًا على الأسرة أو تسبب إرهاقًا للزوجة، وقال: “فواجبنا كان هو أن ننقل تلك المشكلات على طاولة اللجنة؛ لأننا نعتقد أن الواقع والعرف لا بد أن يُراعى في فقه الأحكام الشرعية؛ لكي لا يحدث انفصال بين الواقع وبين الشرع”.
وأوضح الإمام الأكبر أنه حدث بالفعل انفصال بين مقاصد الشريعة الإسلامية خاصةً في مفهوم الطلاق وفي مفهوم تعدد الزوجات، وبين ما نعيشه على أرض الواقع، وقال: “لذلك أردنا أن تكون نظرة الهيئة نظرة شاملة تراعي الأحكام الكلية والمقاصد الشرعية وإجماع علماء الأمة، فكانت هذه اللجنة مكونة من فقهاء الشريعة في الأزهر وعلماء دار العلوم مع قضاة من محاكم الأسرة والأحوال الشخصية، وانتهينا بعد ذلك لهذا الرأي”.
وأضاف:”كل هذا كان قبل أن تثار مسألة الإشهاد على الطلاق، وليس الأمر كما قيل: إن هيئة كبار العلماء ركبت رأسها، أو كما قيل: إن الهيئة ضد الدولة، بل قيل: إن هذا فُرض على هيئة كبار العلماء وأنه ليس إجماعًا، فهذا كلام ما كان ينبغي أن يصدر من صحف تحترم القارئ أو من قنوات تحترم المشاهد، فهيئة كبار العلماء تنصح المسلمين وهي تستشعر مسئوليتها أمام الله -سبحانه وتعالى- ولا تغريها ولا تفتنها الأضواء والإعلانات”.
وشدد على أنه ليس كل المنتسبين للأزهر يعبرون عن صوته، فبعض ممن ينتسبون إلى الأزهر يحيدون عن منهجه العلمي المنضبط، ونحن نقول للمسلمين: “إن الأزهر ليس مسئولًا عن هؤلاء الشاردين عنه”.
وأشار الإمام الأكبر إلى أن الهيئات المخولة بتبليغ الأحكام للناس أو بيان الحكم الشرعي فيما يُثار من قضايا أو مشكلات تواجه المجتمع على أساس شرعي هي: الهيئة الكبرى هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء، ولا يكون ذلك لفرد أو أفراد، وليس للمسلم أن يختار الحكم الشرعي بمزاجه مستفتيًا قلبه؛ لأنه من المعلوم أن الإنسان يميل قلبه إلى ما يحقق له رغباته ومصالحه الشخصية، وهنا ضلت الأفهام في مسالة استفتاء القلب.
وأكد أن مسألة الإشهاد على الطلاق ليست أمرا معلومًا حتى يقال استفتِ قلبك فيه، وإذا كان كل شيء سيستفتي فيه المسلم نفسه، فماذا نصنع بقول الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)؟! وأين نضعه؟!
وذكر أن هناك دعوات هذه الأيام إلى عدم الالتزام بفتاوى الأزهر والمجامع الفقهية، وهذه دعوات خطيرة تُشيع الفوضى، فهل يستطيع عامة الناس أن يقرءوا ويفهموا في مصادر الفقه ويستنبطوا الأحكام الفقهية ويستخرجوا الفتاوى المختلفة.
وأكد أن هذه الدعوات هي تخريب للعلم واستهانة بالعلماء الذين قال عنهم المولى سبحانه: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وقال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
وأضاف: “من هنا ندرك ضرورة الحَجْر على أصحاب الفتاوى الشاذة؛ لأنها تضر المجتمعات”، منوهًا بأن الدستور والقانون خَوَّلَ لهيئة كبار العلماء الاختصاص بالبت في مثل هذه القضايا الشرعية وفيما قد تختلف فيه دار الإفتاء مع مجمع البحوث من أحكام شرعية، وهذا موجود في كل العالم الذي يحترم العلم والدين والفقه، ولا يَعرِض أحكام الدِّين كسلعة تعرض في البرامج والسهرات التليفزيونية.
ولفت الإمام الأكبر إلى أن هيئة كبار العلماء كانت مهمومة بموضوع “الطلاق الشفوي” قبل أن يثار، وانتهت فيه الهيئة إلى أن وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية – أي ليس واقعًا تحت ضغط نفسي أو غضب شديد- وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق – مثل لفظ “أنتِ طالق”- وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.
وأضاف أنه لم يثبت في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أحدًا من الصحابة حين كان يطلق زوجته يقال له وثِّقْ هذا الطلاق بالكتابة أو أشهد عليه، لم يحدث هذا على الإطلاق، وحين يقال إن الطلاق بدون إشهاد لا يقع فهذا حكم على أمة كاملة بتاريخ كامل بأن كل حالات الطلاق -وهي بالملايين- التي حدثت لا تقع.
واختتم حديثه بأن هيئة كبار العلماء احتاطت لهذا الموضوع لمعرفتها بالأضرار التي تقع عند التسرع في الطلاق، فألزمت المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، كما احتاطت أكثر حين أكدت أن من حق ولي الأمر أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة”، وبهذا تكون هيئة كبار العلماء بينت الحكم الشرعي وفي نفس الوقت قالت: إن من حق ولي الأمر أن يقول مَن لم يوثق طلاقه وقت وقوعه يعاقب تعزيرًا