يكثر الحديث في الآونة الأخيرة حول ضرورة إيجاد بيئات عمل مريحة، تضمن الراحة النفسية للعاملين فيها، ولاسيما النساء، وتُبعد عنهم القلق والتوتر والخوف، وربما الإكتئاب.
حول الصحة النفسية للمرأة في مكان العمل، تحدث يوسف لمع، المهندس والدكتور في القيادة وإدارة الموارد البشرية، لـ “سيدتي نت” في حوار هنا نصه:
– ما هي الضغوط النفسية التي يمكن أن تتعرض لها المرأة في مكان العمل؟
مما لا شك فيه أن موضوع حضور المرأة في مجال الأعمال أصبح حقيقة ثابتة وساعد على ذلك الكثير من العوامل منها:
• زيادة نسبة النساء المتعلمات في مجتمعاتنا العربية.
• التقبل المتزايد لفكرة عمل المرأة في المجتمع، لاسيما من قبل الأهل والأزواج.
• تأثير ما يحدث في المجتمعات الغربية من تطور لدور المرأة، يرافقه سهولة في التواصل.
• طموح المرأة العربية الذي يزداد ويتوسع سنة بعد سنة.
• حاجة الأسرة، في بعض الأحيان، إلى دخل آخر يساند دخل الرجل، نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة في معظم دول العالم.
أما بالنسبة للضغوط النفسية إن وجدت، فهي من خلال تجربتي يمكن تلخيصها بما يلي وطبعاً يختلف الحال بين المرأة المتزوجة والعزباء:
• الجمع بين مسؤوليات العائلة ومسؤوليات العمل.
• دخول مجالات كانت تاريخياً حكراً على الذكور، مما قد يسبب الرفض أو يثير غيرة بعض الزملاء والتعبير تجاهها بطرق قد تكون قاسية أحياناً.
• دخول مجالات تتطلب قوة بدنية كبيرة قد تعرِّض النساء للاستنزاف الجسدي، ما يؤثر على نفسية المرأة خصوصاً تلك التي تصرُّ على اثبات نفسها عبر بذل جهد يفوق قدرتها.
• عدم تقبل بعض الرجال للمرأة كمديرة لهم ومحاولة عرقلة مهمتها.
• العاطفة الزائدة عند المرأة قد تمنعها من اتخاذ قرارات قاسية، كطرد أحد الموظفين أو معاقبته؛ مما يشعرها بحالة ضيق ويسبب لها الضغط النفسي.
– هل باتت تؤخذ هذه الضغوط بعين الاعتبار من قبل المؤسسات المختلفة؟ لاسيما في الدول العربية المتقدمة
بدون شك، فإن عدداً كبيراً من الشركات، خصوصاً تلك التي توظف نسبة عالية من النساء بدأت باتخاذ إجراءات للتخفيف من الضغوط النفسية عليهن.
ولعل أول خطوة هي فهم نوع الضغوط لأنها تختلف بحسب طبيعة العمل، وذلك من خلال جلسات الاستماع والمناقشة مع دائرة إدارة الموارد البشرية التي بدأ دورها بالتعاظم في الكثير من الشركات أو من خلال التعبير المباشر للمدير المسؤول.
ثانياً لقد بدأ معظم الشركات بتطوير أنظمة داخلية تتشدد بتطبيقها لتحل الكثير من المشاكل وتخفف من مسببات الضغوط النفسية خصوصاً في الشركات الكبرى، حيث يتواجد موظفون وموظفات من مختلف الجنسيات والثقافات، ما يُحتم وجود قانون داخلي يُنظِّم العلاقات داخل الشركة.
ثالثاً لقد بدأنا نرى شركات تعرض دوامات عمل مرنة للنساء آخذين بعين الإعتبار المسؤوليات الأخرى، لاسيما مسؤولية الأسرة.
رابعاً التقدم التكنولوجي ساعد على حل الكثير من المشاكل منها إمكانية التواصل والعمل عن بعد أيضاً وسهولة إثبات حدوث أي تجاوزات إن من خلال الرسائل الالكترونية أو النصية أو المكالمات المسجلة أو حتى كاميرات المراقبة، مما حدَّ من سهولة خرق القوانين والخلط بين الحياة المهنية والحياة الخاصة داخل الشركة.
وبالطبع، تتفاوت نسبة إعتماد ما سبق بين دولة وأخرى، لأن الموضوع مرتبط بعدة عوامل منها:
• قوة نفاذ وتطبيق القوانين في الدول ككل.
• الثقافة العامة للمجتمع والنظرة الى المرأة.
• التقدم التكنولوجي.
• القدرة المالية للشركة التي تمكنها من الاستثمار بالتكنولوجيا الحديثة وتكون دائرة إدارة الموارد البشرية فاعلة.
ونرى أن دول الخليج العربي تقدمت عن باقي الدول العربية في هذا المجال نظراً لتوفر الكثير من العوامل التي ساعدت على ذلك.
ما رأيك بالاطلاع على طرق علاج القلق؟
ما هي نصائحكم للتخفيف من حدّة الضغوط النفسية على المرأة في مكان عملها؟
إن أفضل شيء يمكن أن تقوم به المرأة للحدّ من الضغوط النفسية هو التمتع بمستوى مهني عالٍ يُمكِّنها من التقليل من تأثير العوامل المسببة للضغوط النفسية.
للمرأة العربية أقول إن بعض الضغوط النفسية ممكن أن تستمر، ولكنكِ سوف تصبحين أقوى بحيث يصبح تأثير هذه الضغوط قليل جداً، وقد يفقد أهميته مع الوقت.
هذا بشكل عام. أما بشكل خاص فنصيحتي هي بعدم التردد بالتعبير عن وجود ضغط معين إن كان للشخص المسبب للضغط أو لإدارة الموارد البشرية أو للمدير المباشر.
التعبير عن وجود مشكلة وتعريف المشكلة، هما جزء من عملية إيجاد الحلول. أما الكتمان وغض النظر سوف يؤديان الى المزيد من الأذى النفسي.
– وهل الأمر يتعلق بتعديل بعض قوانين العمل أم بتغيير رؤية أرباب العمل؟
هناك عوامل كثيرة قد تساعد على تحسين الوضع منها وجود قوانين عمل صارمة ترعى وضع المرأة في المجتمع وتسهِّل مهمتها عبر إزالة الكثير من العقبات ومسببات الضغط مثل التحديث المستمر لقانون عطلة الأمومة أو أيام ألم الدورة الشهرية أو حتى قانون فرض تركيب كاميرات مراقبة في كل شركة، كما هو الحال في بعض الدول الغربية.
لكن في المقابل، هناك مسؤولية كبيرة تقع على أصحاب العمل لجهة تأمين بيئة عمل مناسبة تراعي وجود النساء في الشركة.
والجيد في الموضوع أنه غالباً ما تسبق المبادرات الخاصة القوانين الحكومية، نظراً لسرعة اتخاذها وتطبيقها. وأيضاً هناك دور للتطور الثقافي والتكنولوجي في إيجاد حل لبعض الممارسات التي لم يعد يتقبلها الجيل الجديد من نساء ورجال، وبالتالي تختفي تلقائياً مثل التنمر على المظهر الخارجي.