نشر موقع اليوم السابع مقالً لوكيل الأزهر ” عباس شومان تحت عنوان (جهود تبذل ونتائج تهدر! ) جاء نصها كالتالي :
تكثر فى عالمنا العربى والإسلامى المؤتمرات التى تُعقد هنا وهناك، من أجل علاج مشكلات تبرز على الساحة حينًا، ولمجرد إثبات الوجود والقيام بالواجب فى كثير من الأحيان، وربما استنفادًا لمخصصات مالية رُصدت للمؤسسات والهيئات لتنظيم هذه المؤتمرات !
وأيًّا كان الدافع لعقد هذه المؤتمرات ، فإن بعض المشاركين فيها يقدمون بحوثًا وأوراق عمل مهمة، بذل أصحابها جهودًا كبيرة لإنجازها، ويتفاعل كثير من الحضور بمداخلات ثرية تأتي بأفكار ومقترحات ربما تفوق أهميةً ما أتت به البحوث وأوراق العمل التي يقدمها المشاركون، ويتبادل المشاركون والحضور الإشادة بكلمات بعض المتحدثين إعجابًا تارة ومجاملة تارة أخرى، وتتناقل وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي في عناوين عريضة بعض ما يُطرح في هذا المؤتمر أو ذاك ، ويخرج عبر الشاشات من داخل المؤسسات المنظمة للمؤتمر وخارجها مَن يتحدث عن المؤتمر وأهميته ، ثم ينفض المؤتمر بعد إعلان بيانه الختامي الذي يحمل توصيات يُختار لصياغتها بارعون يصوغونها من البحوث وأوراق العمل التي ألقيت في المؤتمر ، وربما يتطوعون بإضافة توصيات من عندهم ، وعندئذ تتنفس الجهة التي عقدت المؤتمر الصعداء لانتهائه على خير بعد جهود مضنية قامت بها اللجان التي تُشكَّل للتنظيم والتنسيق وغير ذلك مما تتطلبه المؤتمرات!
وفي الواقع ، لا تخلو البيانات الختامية لبعض المؤتمرات التي تُعقد هنا وهناك من نتائج وتوصيات مهمة – قلت أو كثرت – في الموضوع المطروح للنقاش ، لكن المشكلة تكمن في أن هذه التوصيات والنتائج تبقى حبيسة الأدراج ، وربما تكون بعضها أوفر حظًّا فتُطبع في كتاب يسجل أعمال المؤتمر وتُهدى نسخه المطبوعة طبعات فاخرة إلى مَن لا يقرؤها غالبًا ما لم يكن من المشاركين الذين يطالعون بحوثهم للاطمئنان على نشرها. وهذه الحال هي حال الرسائل العلمية التي يفني فيها أصحابها سنوات عديدة من عمرهم وينفقون عليها أموالًا طائلة من قوتهم، ثم لا تكون ثمة نتيجة سوى حصولهم على الدرجة العلمية أو الترقية الوظيفية!
وإحقاقًا للحق ، فإن بعض المؤسسات تستفيد من نتائج مؤتمراتها ، وتترجم توصياتها إلى آليات عمل تنفيذية ولو بشكل جزئي حسب طاقاتها وإمكاناتها ، ومن هذه المؤسسات الأزهر الشريف ، وحتى يقبل قارئ هذا المقال هذه الدعوى أطرح بعض ما يدلل على صدقها:
لقد عقد الأزهر الشريف في السنوات الأخيرة عددًا من المؤتمرات التي خرجت بتوصيات مهمة تدعم نسيج الوطن الواحد، وتدعو لقبول الآخر والعيش المشترك في ظل المشتركات الإنسانية الكثيرة التي لا تختلف باختلاف الديانات ولا بتعدد المذاهب في الدين الواحد، وتنفيذًا لهذه التوصيات عمليًّا أنشئ ( بيت العائلة المصرية ) الذي يجمع شركاء الوطن مسلمين ومسيحيين في كيان وطني يقع مقره في قلب مشيخة الأزهر ، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ويتفرع عنه لجان للتعليم والثقافة والشباب والمرأة ، وتنتشر فروعه في معظم محافظات الجمهورية ، ولا يخفى على المتابع المتجرد عن العصبية والهوى ما حققه من إنجازات على الصعيد الوطني، بل تجاوزت جهوده حدود وطننا فوصلت إلى أفريقيا الوسطى وأنجزت مصالحة كبرى بين الفرقاء هناك.
ولتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام ومواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا ، شارك الأزهر في كثير من المؤتمرات الدولية ذات العلاقة بالشأن الإسلامي التي عُقدت في كثير من دول العالم شرقًا وغربًا ، وانطلقت جولات تاريخية لشيخ الأزهر جاب خلالها عددًا من الدول ذات التأثير في العالم ، وإلتقى عددًا من الشخصيات الفاعلة في صنع القرار العالمي ، وألقى كلمات مهمة في عدد من البرلمانات والجامعات العريقة في العالم ، وزار عددًا من الكنائس الشرقية والغربية وعلى رأسها الفاتيكان، وقد كان من ثمرات تلك الزيارة التاريخية استئناف الحوار بعد طول انقطاع، واستقبال مصر والأزهر بابا الفاتيكان في زيارة تاريخية شارك خلالها بكلمة تاريخية مهمة في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام الذي عُقد في أبريل 2017م، واستقبل الأزهر وفودًا من الشرق والغرب لبحث سبل التعاون وتعزيز الشراكة في المجالات الدينية والفكرية والعلمية وغيرها، وعُقدت في قلب مشيخة الأزهر ندوات حوار وورش عمل بين شباب الأزهر وممثلين لمجلس الكنائس العالمي. وطار سفراء الأزهر من خيرة شبابه يجوبون العالم في قوافل سلام تهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في بلاد الغرب ومجابهة ظاهرة الإسلاموفوبيا المتنامية هناك .
وفي مجال مكافحة التطرف والإرهاب ، عقد الأزهر عددًا من المؤتمرات كان أبرزها مؤتمر الأزهر العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب في ديسمبر ٢٠١٤م الذي تحولت توصياته إلى مؤلفات علمية رصينة تبين أسباب تلك الظاهرة البغيضة ، وتفند الشبهات التي تقوم عليها، وتصحح المفاهيم المغلوطة التي دلستها الجماعات الإرهابية ، ويعرف ذلك مَن له أدنى اهتمام بجهود الأزهر الفكرية ومَن تردد على معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وخاصة في دورته الأخيرة التي شارك الأزهر فيها بجناح خاص كان حديث الناس. كما انطلقت مبادرات قطاع الوعظ بالأزهر في المدن المصرية ونجوعها وكفورها، ولا تزال القوافل الدعوية والطبية التي يسيرها الأزهر لمحافظات الجمهورية – وخاصة الحدودية – تعمل على قدم وساق لتؤتي ثمارها المرجوة بمشيئة الله تعالى.
وفي هذا السياق أيضًا ، أعاد الأزهر النظر في المناهج التعليمية المقررة في مرحلة التعليم قبل الجامعي لتواكب العصر ومستجداته ، واستحدث مقررًا تعليميًّا بعنوان (الثقافة الإسلامية) يرسخ مبدأ المواطنة، ويعزز مفهوم الانتماء الوطني، ويكشف زيف الفكر المتطرف. كما استحدث الأزهر عددًا من الأدوات التي تعاون هيئاته التقليدية وتواكب المستجدات الحديثة، ومنها مرصد الأزهر باللغات الأجنبية الذي يجابه جماعات التطرف والإرهاب بنفس وسائلهم ولغاتهم؛ حيث كانوا يسرحون ويمرحون في الفضاء الإلكتروني وحدهم قبل أن ينازلهم شباب الأزهر وينغصوا عليهم ما حسبوه حكرًا لهم ويحموا الشباب من الانخداع بشعاراتهم والوقوع في براثنهم، ومن تلك الأدوات الحديثة أيضًا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية الذي يجيب عن أسئلة الشباب ويزيل الشبه التي تلتبس عليهم باستخدام وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، ومنها كذلك مركز الأزهر للترجمة الذي انتهى حتى الآن من ترجمة أكثر من مائة وخمسين كتابًا تبين مبادئ الإسلام وتعاليمه السمحة وتدحض حجج جماعات التطرف والإرهاب وتفند شبهاتهم.
وقبل أن ينفض مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس الذي عُقد في يناير 2018م شرع الأزهر في إعداد مقرر دراسي عن القدس وتاريخه وعروبته ، ويرصد اعتداءات الصهاينة بحقه وانتهاكهم له، وسوف يدرس هذا المقرر بداية من العام الدراسي المقبل بمشيئة الله . وفي إطار ترجمة إعلان الأزهر لنصرة القدس إلى واقع عملي ملموس ، انطلقت أنشطة أروقة الجامع الأزهر وقطاع الوعظ والجامعة تفعيلًا لعام القدس الذي أعلنه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ، وشُكلت لجنة رفيعة لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر .
وهذا قليل من كثير يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الأزهر الشريف يستفيد فعلًا من توصيات المؤتمرات التي يعقدها ويترجمها إلى خطط وآليات تنفيذية ولا يدعها حبيسة الأدراج ، وهذا ما يجب أن يكون في جميع المؤسسات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية حتى لا تضيع توصيات المؤتمرات والبحوث العلمية سدى ، وهذا يتطلب التنسيق الجاد بين الجهات المعنية كافة – كلٌّ في ما يخصه – لتحويل نتائج وتوصيات المؤتمرات إلى خطط عملية وبرامج تنفيذية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى وفق جدول زمني واضح وخطوات إجرائية محددة .