تحقيقات و تقاريرعاجل

كتالونيا تسلك طريقاً وعراً نحو الاستقلال

تواجه إسبانيا أكبر الأزمات فى تاريخ ديمقراطيتها العريقة الذي يعود إلى 42 عاماً، حيث من المقرر أن يتوجه غداً الأحد الناخبون في إقليم كتالونيا إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاء على استقلال الإقليم، على الرغم من قرار المحكمة الدستورية بحظر الاستفتاء، والتهديد بشن عملية قمع سياسي.

ورغم نجاة إسبانيا، منذ انتهاء ديكتاتورية الجنرال فرانكو في عام 1975، من محاولة انقلاب، وإلحاقها الهزيمة بمنظمة “إيتا” الانفصالية في إقليم الباسك، إلا أنها تواجه حالياً مخاطر انفصال واحد من أكثر الأقاليم تطوراً بها، يضم واحدة من أهم المدن الأوروبية، وهي مدينة برشلونة.

قال زعيم كتالونيا كارلس بويجديمونت في تصريحات صحافية في وقت سابق: “لو تمت المحافظة على استقلال إرادة شعب كتالونيا، فإن (الإقليم) سيسير على الطريق إلى دولة مستقلة”.

انتهاك للدستور

ومع ذلك، يتعرض بويجديمونت إلى خطر الاعتقال في حال إصراره على تنفيذ خطته، بينما لم يتضح بعد كيفية إجراء الاستفتاء بعد قيام الشرطة خلال الأسبوع الماضي بمصادرة نحو عشرة ملايين بطاقة اقتراع واعتقال 14 من السياسيين والمسؤولين في كتالونيا.

قال رئيس وزراء إسبانيا المحافظ ماريانو راخوي، اليوم السبت، في معرضة اتهامه لسلطات كتالونيا بانتهاك حكم القانون: “لن يكون هناك استفتاء، حيث لا يمكن لأي ديمقراطية أن تقبل انتهاك الدستور”.

تصاعدت حدة التوتر بين مدريد وكتالونيا منذ موافقة برلمان الإقليم على قانون للاستفتاء فى 6 سبتمبر وبعد يومين أبطلت المحكمة الدستورية العليا القانون، ما أعطى الشرطة والحكومة الأساس القانوني لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف الاستفتاء.

وسيطرت وزارة الداخلية على شرطة كتالونيا، وتعتزم إرسال تعزيزرات إلى منطقة تنمو فيها الحركة الانفصالية بلا هوادة.

شعب مسالم

يقول رامون تريموسا، عضو البرلمان الأوروبى الموالى لاستقلال كتالونيا، في تصريحات خاصة: “إننا شعب مسالم ينبذ العنف، وسنظل كذلك، وبالتأكيد تقوم مدريد بكل ما من شأنه إثارة الاستفزاز، ولكننا لن نقع في هذا الشرك، ولعل هذا هو واحد من أقوى عناصر قوتنا”.

يوجد في إقليم كتالونيا، لغة خاصة به، وهي الكتالان، وتعرض الإقليم للقمع خلال فترة حكم الجنرال فرانكو في الفترة بين عامي 1939 و1975، ويعد حالياً واحداً من أهم الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي، ولكن الحقبة التي تلت الأزمة الاقتصادية عام 2008 والمحاولات الفاشلة لنيل المزيد من الصلاحيات من الحكومة المركزية في مدريد فاقمت من المشاعر الإنفصالية بالإقليم.

وتلعب المصالح الاقتصادية الذاتية دورها في هذا الشأن، حيث يعد أبناء كتالونيا مساهمون أساسيون في اقتصاد الدولة الإسبانية بما يتراوح بين 8 و10 مليارات يورو سنوياً، ويزعمون أن الخطط الاستثمارية للحكومة تتجاهلهم.

ويسود انقسام متساو تقريباً بين أبناء كتالونيا فيما يتعلق بالانفصال عن إسبانيا، حيث قالت وكالة استطلاعات الرأى التابعة لحكومة إقليم كتالونيا فى يوليو الماضي أن 45% فقط من سكان الإقليم يشعرون بكونهم كتالونيين أكثر من كونهم إسبان، بينما الباقون إما تساورهم مشاعر مختلطة أو ميول إسبانية.

ومن المحتمل أن يجذب استفتاء غد الأحد معظم الناخبين المؤيدين للانفصال، وفى ضوء ذلك، سيكون من الصعوبة بمكان إجراء عمليات تصويت منظمة، أو فرز اصوات موثوق به، وينظر الكثيرون إلى الاستفتاء على أنه عمل رمزي يقاس نجاحه بأعضاء المشاركين فيه.

وشارك نحو 2.3 مليون ناخب، بنسبة إقبال بلغت 36%، في الاستفتاء غير المصرح به فى عام 2014، وجاءت نتيجته بموافقة 1.8 مليون شخص على الانفصال عن إسبانيا، ويأمل الإنفصاليون هذه المرة فى رفع هذا العدد إلى مليوني شخص.

“طريق ثالث”

ويسود اقتناع لدى تريموسا، عضو البرلمان الأوروبي، بأن التصويت بـ”نعم” خلال الاستفتاء سيكون “ملزماً” بما يؤدي إلى إعلان الاستقلال، ويضيف: “وإلا، لماذا تبذل الحكومة الإسبانية الكثير من الجهود لوقف الاستفتاء بأي ثمن؟”.

ولكن استطلاعاً للرأي أجرته صحيفة الباييس أظهر أن 61% من أبناء كتالونيا لايعتقدون بصلاحية التصويت، بينما 82% يريدون استفتاء قانونياً كاملاً، بالتوافق مع مدريد.

وقال الكاتب الكتالوني رافيل نادال خلال زيارة قام بها مؤخراً للعاصمة الإيطالية روما: “أنا متشائم” وتنبأ بتمسك كل من الطرفين بسلاحه بعد استفتاء الأحد، وعدم النظر إلى تحقيق حل توافقي “طريق ثالث” يمكن أن يفتح مخرجاً من هذه الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى