تحقيقات و تقاريرعاجل

كيف حمى أردوغان تمويل “قطر الخيرية” للنشاطات الإرهابيّة؟

ملفّ جديد ضمن السلسلة القطرية الطويلة في تمويل للإرهاب فتحه الكاتب في موقع “توركيش مينت” عبدالله بوزكورت الذي أشار إلى أنّ إسلاميّي تركيا وحكومتها هبّوا لمساعدة الدوحة في أزمتها الأخيرة.

وفعلوا ذلك لأنّ قطر وتركيا تتشاركان العقيدة المتطرفة نفسها التي تجد جذورها في تسييس الإسلام، ولأنّ الأتراك لا يستطيعون مقاومة الأموال القطرية التي تذهب باتجاه المنظمات التركية الحكومية وغير الحكومية تحت ستار الأعمال الخيرية. وانتهى الأمر بهذه الأموال أحياناً في أيدي إرهابيي القاعدة ومجموعات متطرفة أخرى في سوريا.

يوضح بوزكورت أنّ قطر الخيرية التي أنشأتها الحكومة لدعم مشاريعها السياسية كان تعمل بنشاط في تركيا مع الدعم الكامل من حكومة أردوغان. لقد موّلت مجموعات مثل “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” التركية والتي كانت تؤمّن السلاح والمعدّات اللوجستية إلى مجموعات إرهابية في سوريا وليبيا. وحين انتشرت التحقيقات السرية في خلايا القاعدة شرق محافظة فان بالقرب من إيران، مع مداهمات سريعة لمكاتب الهيئة وقطر الخيرية في منطقة كيليس المجاورة للحدود السورية، تمّت مصادرة أجهزة الكمبيوتر التابعة لهما.

حين أوقف أردوغان التحقيق

أتت المداهمة بعدما وجد محققون أنّ شخصاً يعمل لصالح هيئة الإغاثة كان ينشط في خلية للقاعدة ويستغل قطر الخيرية كغطاء لنقل معدّات إلى مقاتلين في سوريا. لكن مع ذلك، وقبل تعميق المحققين لبحثهم في الأجهزة المصادرة تدخل أردوغان وأوقف التحقيق لحماية زملائه الذين كانوا يديرون خطوطاً لوجستية لصالح الإرهابيين عبر الحدود التركية السورية. وبفضل مراقبة مخابرات الشرطة منذ 2012، يعلم “توركيش مينت” قسماً واسعاً من ملف خلية القاعدة التي كان يديرها ابرهيم سن (37 عاماً) والذي كان يجنّد إرهابيين بين تركيا وسوريا مستخدماً الهيئة ومجموعات أخرى لإخفاء شبكته الإرهابية.

يعمل تحت إمرة صديق أردوغان

اعتُقل سن في باكستان لارتباطه بالقاعدة ثمّ نُقل إلى غوانتنامو حيث أبقي هناك حتى سنة 2005 قبل أن يعيده المسؤولون الأمريكيون إلى تركيا. ووفقاً لملف التحقيق في تركيا، كان سن يعمل مع جهاز الاستخبارات الوطنية الذي يقوده هاكان فيدان المقرب جداً من أردوغان. وبدأ الرجل عمله مع الجهاز منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011. وبسبب تمتعه بغطاء سياسي وتواصل سري مع الجهاز استطاع سن أن يتجنّب المشاكل. وعلى الرغم من اعتقاله سنة 2014 أطلِق سراحه بعد حوالي تسعة أشهر.

على علم بما يجري

يتابع بوزكورت ناقلاً عن ملف التحقيق أنّ الأدلة ضدّ الهيئة وقطر الخيرية بدأ تجميعها حين راقبت الشرطة عملاء ينشطون داخل خلية القاعدة التابعة لسن. واستخدم المقاتلون فروعاً أخرى للخلية كي يرسلوا التمويلات والمواد الطبية للإرهابيين في سوريا. واستخدم سن هذه المنظمات غير الحكومية حين أراد إخفاء إرسال مختلف المواد إلى الإرهابيين بطريقة سرية وكانت الهيئة وقطر الخيرية على علم بما يجري وعلى دراية بأنّهما كانتا منخرطتين في المشهد عن إرادة. وتعرّفت الشرطة إلى ثلاثة شركاء لسن في تهريب البضائع إلى سوريا ويعملون جميعاً في فروع مختلفة للهيئة. وأظهرت أجهزة التنصت التي زرعتها الشرطة أنّ هؤلاء العملاء خططوا لاستعمال سيارات الإسعاف للتهريب حين منع المسؤولون المحليون ذهاب الشاحنات إلى سوريا.

تأكيد لخلاصات أمريكية سابقة

واستطاعت قطر الخيرية أن تهرب من الاتهام بفضل تدخل الحكومة التركية وإيقاف التحقيق لكن أيضاً بسبب إقالة أردوغان لعشرات من القضاة ورؤساء أقسام الشرطة وآخرين بعد الانقلاب الفاشل والذين كانوا يحققون في واحدة من أهم خلايا القاعدة في تركيا. كل ذلك يؤكد ما ذهبت إليه أمريكا في قضية قطر الخيرية سنة 2008 والتي صنّفتها لجنة الاستخبارات المشتركة ككيان داعم للإرهاب على مستوى بارز. أتى هذا بعدما أوضحت اللجنة أنّ قطر الخيرية أظهرت نية وإرادة لتأمين الدعم المالي للمنظمات الإرهابية التي تريد مهاجمة الأمريكيين أو مصالحهم أو تأمين دعم عملي لمجموعات إرهابيّة من الدرجة الأولى والثانية. ويشير بوزكورت إلى أنّ تدفق الأموال إلى سوريا من خلال قطر الخيرية، شريكة تركيا، يبرز قضيّة تمويل الإرهاب تحت ستار الأعمال الخيرية.

أمريكا وفرنسا والرباعي لاحقوا قطر الخيرية

قال محققون أمريكيون إنّ قطر الخيرية كانت وسيلة لتمويل هجمات القاعدة ضدّ سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتانزانيا سنة 1998. وفي تحقيق فيديرالي أجري عام 2002، أشير إلى أنّ أسامة بن لادن استخدم قطر الخيرية لتمويل نشاطات القاعدة في التسعينات. أمّا الاستخبارات الفرنسية فقالت سنة 2013 إنّ قطر الخيرية تورطت في تمويل مجموعة تابعة للقاعدة في مالي. ولفت بوزكورت النظر إلى أنّ الرباعي المناهض للإرهاب وضع قطر الخيرية على لائحة الإرهاب بسبب تمويلها لمجموعات إرهابية مثل القاعدة وداعش والإخوان المسلمين.

تطابق السجلات وتوطيد العلاقة

بالنظر إلى سجلّي قطر الخيرية وهيئة الإغاثة، يبدو أنّ هنالك تطابقاً كاملاً بينهما لأنهما موّلتا المجموعات الميليشيوية. وتوطدت العلاقات بين الطرفين منذ ساعد أردوغان الهيئة وشريكتها بتفادي المشاكل القانونية في يناير 2014. وهما وقّعتا على مذكرتي تفاهم استراتيجيتين في أغسطس 2014 في الدوحة بحضور رئيس الهيئة بولنت يلدريم ورئيس مجلس إدارة قطر الخيرية يوسف بن أحمد الكواري. وتمّ التجديد التعاون في ديسمبر 2016 لمدّة خمس سنوات.

قطر الخيرية تموّل الهيئة على امتداد العالم

وخلال التوقيع، قال الكواري إنّ جمعيته أمّنت 350 مليون ريال قطري لسوريا والاتفاق مع الهيئة يغطي 3.5 مليون ريال إضافيّ. وموّلت قطر الخيرية عمليّات الهيئة في دول أخرى مثل العراق وأفغانستان والسودان وإندونيسيا وتايلاند والفيليبين وميانمار ودول البلقان. ويشير بوزكورت إلى أنّ قطر الخيرية ليست الوحيدة التي تتعامل مع هيئة الإغاثة التركية. فمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية عملت مع الهيئة في مدن الأنبار والفلّوجة والرمادي في مشاريع تساوي حوالي 5.5 ملايين دولار سنة 2014. وأرسلت هيئة الإغاثة مئات الشاحنات من المساعدات لإدلب وحلب وحماه سنة 2014 بدعم عدد من الجهات من بينها مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله. لكي تفتح فرعاً لها في أمريكا اللاتينية، وقعت هيئة الإغاثة عقد شراكة مع مؤسسة عيد الخيريّة القطرية ونظمت مشاريع في يونيو 2017 في بوغوتا. وهنالك مزيد من الخطط في الإكوادور والبيرو.

سؤال برلماني

وردّاً على سؤال برلماني حول نشاطات قطر الخيرية، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 17 يوليوالماضي، إنّ الحكومة سمحت لجمعية قطر بفتح مكتب تمثيلي إقليمي في أنقرة في 18 ديسمبر 2015. وحين افتُتح المكتب رسميّاً في 9 مايو 2016، حضر الافتتاح الوزير التركي سليمان صويلو إضافة إلى الوزير القطري حمد بن ناصر بن قاسم آل ثاني. وكان رئيس الهيئة من بين المدعوّين. حينها، هاجم صويلو في خطابه الغرب ووعد بإعطاء الدعم الحكومي الكامل لقطر الخيرية التي تخطط لفتح مكاتب جديدة في اسطنبول وغازي عنتاب. كما وقّعت قطر الخيرية مع تعاون لخمس سنوات مع إدارة الكوارث والطوارئ في تركيا عام 2016، ومذكرة تعاون أخرى مع الهلال الأحمر التركي في السنة نفسها.

تساعد أردوغان على ضرب الديموقراطية

يؤكّد بوزكورت أنّ تمويلات قطر الخيرية تساعد أردوغان في إبعاد تركيا عن ديموقراطيّتها البرلمانية عبر ضخّ الأموال لمجموعات مثيرة للجدل مثل هيئة الإغاثة التي تعمل على تقويض الهيكلية المدنية للدولة. طالما أنّ حكومة أردوغان تستمر بحماية شبكات الظلّ هذه، يستحيل التحقيق بكميات الأموال التي تذهب إلى العمل الخيري وتلك التي تُحوَّل إلى تمويل الإرهاب والنزاعات المسلّحة.

زر الذهاب إلى الأعلى