هناك حقائق تفرض نفسها على كل شخص لديه اتصال بأدوات العصر، وما دمت تستخدم أدوات وخيارات أكثر فأنت تحكم الرقابة حول نفسك وتحركاتك وتنقلاتك ومكالماتك وكافة التفاصيل التى تخصك وتخص غيرك. ويبقى الحديث عن الخصوصية والأسرار أمرا نظريا أكثر، وفيما يتعلق بعمل أجهزة البحث والمعلومات والتجسس والتتبع، فالأمر يبدو أكثر سهولة.
فإذا كنت تستخدم خدمة «جى بى إس»، إذن «جى بى إس» يستخدمك، وأنت تتحرك بناء على نصائح وتعليمات صوتية وضوئية على الخريطة فإن مكانك وتحركاتك مرصودة، وإذا أجريت مكالمة من تليفونك فإن هذه المكالمة يمكن أن تكون مسجلة ومراقبة وتفاصيلها معلومة. هذا على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأجهزة فى العالم فإنها توظف كل هذا للتتبع، والتجسس واختراق اتصالات الدول والخصوم والأصدقاء، وبالرغم من أن هذه الحقائق معروفة ومذكورة يتجاهلها كثيرون وهم يتناولون بعض التقارير عن حوادث وجنايات بيع الأسرار.
وما دام يستخدم المواطن التكنولوجيا وأدوات ومواقع التواصل فهو يمنح هذه الأدوات بنفسه وبكامل قواه العقلية معلومات عن نفسه وحياته، وكلما كان المستخدم كريما فى استعراض تفاصيل حياته، فهو يساعد فى ملء ملفه بالمزيد من التفاصيل. ومن اطلعوا على قصة إدوارد سنودن موظف وكالة المخابرات الأمريكية يعرفون أنه كشف تفاصيل برنامج التجسس بريسم، والذى استخدمته وكالة الأمن القومى للتجسس على كل دول العالم تقريبا، وأنها لم تكتف بتتبع الخصوم ولكن أيضا بالتجسس على الأصدقاء، وكانت تتنصت وتخترق وتعترض اتصالات البعثات الدبلوماسية والحكومات عبر العالم، ولم يكن سنودن بحاجة للتأكيد أن برامج التجسس كانت تدخل على البرامج والمواقع وتتبع كل من تريد فى الوقت والمكان الذى تريد.
وفى هذا السياق فإن الأخ الكبير الذى يتجسس على المواطنين كما وصفه جورج أورويل فى روايته «1984» كان يتعلق بدولة واحدة، لكن الأخ الكبير هنا هو الذى يتجسس ويتتبع ويخترق كل مكان فى العالم، فقد كان أخو أورويل الكبير يراقب المواطن فى عمله وصالة منزله، ومطبخه، لكن مع جوجل فإن التتبع يشكل كل حركة وسكنة، وتحسب مزاجه واهتماماته وهواياته ودخله الشهرى.
والأخ الكبير مع جوجل لا يبذل جهدًا فى الحصول على المعلومات، بل هو يتلقفها فى يده طوال الوقت، والمواطن الذى يحصل على خدمات مجانية، من «جوجل وفيس بوك»، يضع تفاصيل حياته على الهواء أمام آلاف وربما ملايين، وإذا كان هذا حال الأشخاص العاديين، فإن أنشطة أجهزة المخابرات فى الاختراق والتتبع والتصوير واعتراض المكالمات، تتطور بشكل لحظى، وما أعلنه سنودن فى 2013، تجاوزته التطورات والتحديثات. وقد أشرت إلى قصة فيس بوك وما أعلنته عن اختراق 30 مليون حساب، بينما التحليلات تشير إلى أضعاف هذه الرقم. وإذا كنا نتحدث عن هاكرز أفراد، يمكن تخيل ما يمكن أن تفعله أجهزة تجسس وتنصت تمتلك برامح ما بعد برنامج «بريسم» الذى أعلن عنه سنودن قبل خمس سنوات. وبقدر ما تتيح هذه الأدوات إمكانيات لأجهزة التجسس، فهى أيضا تجعل من الصعب أن تبقى هناك أسرار وهناك طوال الوقت صور وفيديوهات واتصالات تترك بصمات فى كل ركن.
جوجل فى الواقع يصاحب المواطن أينما ذهب، وما دام يحمل موبايل أو تاب أو آيباد، يحصل على معلومات ويعطى معلومات يحصل على اتجاهات ويخضع للتتبع، وكانت هناك مثل أن أى سر بين أكثر من اثنين ليس سرا، والآن لا يوجد سر مع جوجل.