جريمة
«مأساة يوسف» من ساندوتش ومياه غازية إلى البحث عن رصاصة في رأسه
الطفل يوسف- أرشيفية
11 يومًا قضاها الطفل يوسف سامح العربى، 13 سنة، بين الحياة والموت، داخل مستشفى 6 أكتوبر الجامعى، بنسبة وعى ضئيلة قدرها الأطباء بـ 3/15، يعانى من كسر في الجمجمة ونزيف بالفص الخلفي للنصف الأيسر بالمخ، مع وجود جسم معدني وشظايا عضم في منطقه النزيف، وارتشاح بالمخ، حتى فارق الحياة يوم الإثنين الماضى، إثر توقف عضلة قلب الطفل وهو على أجهزة الإعاشة، وفشل جهود الأطباء فى إنعاشها بالصدمات الكهربائية، لتودعه والدته الموظفة بالمدرسة التى كان يدرس بها إبنها "كيبلنج" بالقرية الذكية، بالكتابة على صفحتها الشخصية: "هتوحشنى يا عريس زفوه".
ولأن وفاة الطفل جنائية، إذ ترتبت نتيجة إصابته بطلق نارى أسفل المخ، فاستوجب الأمر تشريح جثمان الطفل بمعرفة خبراء الطب الشرعى، لاستخراج المقذوف النارى المستقر فى رأسه، والذى كان يستحيل إجراء عملية جراحية لاستخراجه والطفل على قيد الحياة، لخطورة مكان الإصابة علاوة على عدم تحسن نسبة استجابة "يوسف" طوال الفترة من إصابته حتى وفاته، وجاء قرار نيابة أول أكتوبر بالتشريح، للتحقق من مطابقة المقذوف النارى برأسه من سلاح المتهمين المقبوض عليهم، لإطلاقهم النيران بحفل عرس، بعد أيام عديدة من غموض بشأن كيفية إصابة "يوسف".
البداية
وكانت البداية فى ميدان الحصرى بأكتوبر، يوم الخميس 18 مايو، إذ كان "يوسف" رفقة ثلاثة من أصدقائه، اشتروا "ساندوتشات" من مطعم مأكولات بالميدان، ووقف الأطفال الأربعة يتناولون الطعام والمياه الغازية، وفجأة قرابة الساعة العاشرة مساءًا سقط "يوسف" على الأرض فجأة ومعه ما يحمله بيديه، وهلع أصدقائه، إذ ظلوا ينادونه دون استجابة، فاستغاثوا بمن هم أكبر منهم سنًا اعتقادًا أن صديقهم فى حالة إغماء، وبادر إثنين من عمال توصيل الطلبات "ديلفرى" بحمل "يوسف" وأصدقائه إلى مستشفى 6 أكتوبر الجامعى، الذى يبعد خطوات عن مكان سقوط الطفل، ليتبين للأطباء أن عضلة القلب متوقفة، فبادروا بإنعاشها، ليكتشفوا بفحص حالته أنه مصاب بطلق نارى كسر عظام الجمجمة من الخلف واخترقها يحمل شظايا العضام إلى أن استقر بجزع المقذوف بجذع المخ.
من أطلق الرصاص على يوسف؟
والد الطفل مدير مالى بشركة برمسيس، وزوجته موظفة بمدرسة ابنها بالقرية الذكية، كانا يعيشان فى أمريكا، وعادا للاستقرار بمصر، مهتمين بالقضايا الحقوقية والنشاط السياسي، لكن ذلك لا يبرر أبدًا استهداف نجلهما بتلك الطريقة الغامضة، ليؤكدا من اللحظة الأولى أن الحادث جنائى، وأنه لا تجمعهما عداوات مع أحد حتى يستهدف فلذة كبدهما بتلك الطريقة الغامضة.
وزاد غموض الجريمة، أن أحدًا لم يسمع صوت طلقات نيران، حتى أن الباعة والعمال بمحال المأكولات المطلة على مكان إصابة يوسف، قالوا إن الرصاصة خرجت من سلاح كاتم للصوت، بينما كان للموقف أبعاد أخرى، إذ لم يكن "يوسف" وحده المصاب بطلق نارى بالمكان، إذ أفاد مسؤولى المستشفى استقبالهم طالبة جامعية، تُدعى "دعاء محمد قاعود" عمرها 22 سنة، مصابة بشظايا مقذوف نارى بذراعها، وتم إسعافها وسماع أقوالها فى المستشفى وتحرير مذكرة بذلك.
وتعددت الروايات ومساعى رجال الأمن للتحقق منها، فأمام رواية السلاح مكتوم الصوت، قالت رواية ثانية إن كثافة الحركة والضجيج بالميدان قد تمنع سماع صوت إطلاق النيران، كما تم استبعاد رواية وجود مشاجرة قرابة الساعة الثامنة مساء الحادث، إذ أكد الأهالى قبل الشرطة أن تلك المشاجرة بين صبية صغار، لا يحملون سلاح ولم يثيروا جلبة أو أعمال بلطجة، وتكاد تُقيم بأنها لهو أطفال، كما أنها كانت فى وقت مبكر لتوقيت إصابة يوسف فيما بعد العاشرة مساءً.
وانتشر رجال المباحث فى الميدان، يجمعون بطاقات إثبات هوية العمال وحراس العقارات به، ويفتشون الشقق بالبرجين السكنيين المطلين على المكان، للتحقق من وجود عناصر مشتبه فيها، أو من بحوزتهم أسلحة وذخائر، أو البحث عن فوارغ طلقات، لكن لم يجد الأمن شيء فى شقق العمال والطلبة بالمكان، وبسماع أقوال المئات من الشهود ممن رأى وومن سمع ولم يشاهد شيء، توصلت قوات الأمن إلى أنه لم يتم إطلاق النيران بشكل مباشر على "يوسف" و"دعاء"، وبدأ البحث والتحرى فى اتجاه حفلات الزفاف والأعراس، سواء المارة بالميدان، أو التى تمت إقامتها فى فيلات مطلة عليه، إذ عتاد الكثيرون إطلاق الرصاص ابتهاجًا بالأعراس، وهنا تم الوصول إلى الجناة.
حبس العريس
وبالتفتيش عن الأفراح تم التوصل للجناة، إذ تبين انعقاد حفل خطبة زياد محمد فرج (23 عامًا) والذي ينتمي لعائلة كبرى بمركز طامية، على العروس منة مفتاح خليل، وإقامت الحفل فى فيلا مطلة على الميدان، وباستجواب علاء سيد محمد موسى (42 عامًا) خال العريس، أنّ من كانوا يطلقون الأعيرة النارية بالخطبة هما نقيب شرطة بمديرية أمن الفيوم يدعى طاهر م أ نجل مساعد وزير الداخلية لمصلحة السجون سابقًا، وخالد أ ع، طالب جامعى نجل عضو مجلس النواب عن دائرة مركز طامية، وأنهم أطلقوا النيران من أسلحة آلية كانت بحوزتهم ابتهاجا بالعرس.
وتمكنت قوات الأمن من ضبط "العريس"، كما عُثر على عدد من أظرف الطلقات الفارغة لبندقية آلية عيار 7,62×39، حيث أمكن التوصل إلى بعض الشهود، الذين أكدوا ما جاء بالتحريات حول إقامة الحفل في توقيت معاصر لتوقيت إصابة يوسف، والطالبة دعاء أثناء وجودها في نفس التوقيت بالقرب من مكان الواقعة.
وأمرت النيابة بحبس "العريس" وتم تجديد الحبس لمدة 15 يومًا، كما تم القبض على الطالب الجامعى "خالد" وحبسه كذلك على ذمة التحقيق، ونسبت لهما النيابة اتهامات حيازة أسلحة وذخيرة، وإحداث إصابة طفل بالخطأ، بينما من المقرر أن تتطور التهمة الأخيرة إلى قتل بالخطأ، بعدما فارق الطفل يوسف الحياة.