شككت “ذي إيكونوميست” المجلة الاقتصادية المتخصصة، في ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن اكتشاف بلاده لحقل ضخم من الغاز، وقالت المجلة إن المستثمرين لم ينخدعوا بهذا الترويج الكاذب، في ظل انخفاض العملة التركية المتراجعة بقوة مقابل الدولار.
وكان أردوغان أعلن عن الاكتشاف باعتباره فجر “عصر جديد”، ستصبح فيه تركيا أخيرا دولة مصدرة صافية للطاقة، وبالنسبة لدولة (تستورد 98% من غازها)، فإن هذا يبدو الآن حلما بعيد المنال، إذ تساور المحللين شكوك كبيرة، حيث لم يتم التحقق منه بواسطة جهة مستقلة- وقدرة تركيا على استخراج الغاز في أقل من ثلاث سنوات، والجدوى التجارية الشاملة للمشروع.
وتعتبر عمليات الاستكشاف في المناطق المغمورة ذات تكلفة عالية، إضافة لتعثر أسواق الطاقة مؤخرًا بسبب تراجع الطلب ووفرة العرض، وأدى كل ذلك إلى انخفاض سعر الغاز، وجعل الحقول التي يصعب استخراج الطاقة منها عديمة الجدوى، وعلى الرغم من أن 320 مليار متر مكعب من الغاز ستكون كمية كبيرة لو كانت صحيحة، وكافية لتلبية طلب تركيا على الغاز لمدة سبع سنوات، إلا أنها لن تُنهي اعتمادها على الخارج.
ومع ذلك فإن هذا الاكتشاف لا يزال يشكل أهمية، إذ ستنتهي العقود التركية طويلة الأجل مع موردي الطاقة الروس والإيرانيين في السنوات القليلة المقبلة.
وقال محمد أوتشو رئيس نادي البوسفور للطاقة، وهو جمعية تهتم بشؤون الطاقة، إن الاحتياطيات البحرية من شأنها أن تمنح البلاد ورقة مساومة مفيدة في المفاوضات المستقبلية حول الأسعار والكميات. وقد خفضت تركيا بالفعل اعتمادها على روسيا، التي زودتها بنسبة 21% فقط من احتياجاتها من الغاز في النصف الأول من هذا العام، بعد أن كانت بنسبة 52% في عام 2017.
وبدلًا من ذلك، اتجهت إلى أذربيجان وإلى واردات الغاز الطبيعي المسال. وقالت بريندا شافير، خبيرة الطاقة في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث، إن غاز البحر الأسود من شأنه أن يساعد في تعزيز مثل هذه الاتجاهات، وأمضت سفن التنقيب التركية أشهر عديدة، وهي تنقب في قاع البحر في شرق البحر الأبيض المتوسط بحثًا عن مصادر للطاقة، حيث أبحرت في المياه المتنازع عليها مما أثار أزمة مع قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي.
ولكن بدلا من ذلك انتهى المطاف بتركيا باكتشافٍ للغاز في أعماق البحر الأسود. وفي 21 أغسطس، أعلن أردوغان أن سفينة تركية عثرت على الغاز الطبيعي، وهو أكبر اكتشاف من نوعه في تاريخ تركيا. وتأمل الحكومة في بدء الإنتاج بحلول عام 2023، وهو العام الذي يوافق الذكرى المئوية لتأسيس أتاتورك للدولة التركية الحديثة.
لقد تبددت بالفعل أي آمال في أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى تهدئة التوترات في البحر المتوسط. ففي 30 أغسطس، وبعد أن التقطت صور لجنود يونانيين وصلوا بالعبّارة إلى جزيرة كاستيلوريز، وهي جزيرة يونانية صغيرة تقع في قلب الخلاف بين العضوين في حلف شمال الأطلسي، طالبت تركيا بانسحاب القوات. (أشارت تقارير في وسائل الإعلام اليونانية إلى أن عملية النشر كانت بمثابة تناوبٍ روتيني).
كما قالت تركيا إنها ستجري مناورات بحرية جديدة بالقرب من قبرص. وفي وقت سابق، قامت اليونان باستعراض قوتها، حيث أجرت مناورات مع قبرص وفرنسا وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة. وأعلنت القوات الجوية التركية أنها اعترضت ست مقاتلات يونانية كانت متجهة إلى قبرص كجزء من التدريبات وأجبرتها على العودة.
والآن، لا تبدو مياه البحر الأبيض المتوسط أقل قابلية للاشتعال من الهيدروكربونات الموجودة بأعماقه، إذ قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في 25 أغسطس، إن “أي شرارة قد تؤدي إلى حدوث كارثة”.