عرّف مراسلا صحيفة “لوس أنجلس تايمز” الأمريكية، شاشانك بنغالي ورمين مستغيم، قرّاءهم بسلسلة حوادث إطلاق النار والقتل والانتحار التي تتكرّر في الجيش الإيراني وأسبابها وتداعياتها. ففي إحدى الليالي من العام الماضي، قام مجنّد بإرغام الرقيب المسؤول عنه على النهوض من سريره والذهاب إلى الخارج تحت تهديد السلاح. وأجبره المجنّد على التمرّغ في التراب لمدة ساعة مقلّداً التمارين التي كانت تُفرض عليه خلال الشهرين اللذين تليا دخوله عالم التجنيد. وتمّ لاحقاً سجنه ثلاث سنوات على فعلته.
واستذكر أحمد، مجنّد ذو 25 عاماً، تلك الحادثة هذا الصيف، بعد سلسلة من حوادث إطلاق النار قام بها مجنّدون في إيران. وقال للصحيفة بشرط عدم الكشف عن اسمه الكامل: “أتعاطف مع مطلقي النار. أحد ما أو شيء ما كان يعذبهم بشدة. لذلك، قاموا بفعلتهم”. في يوليو الماضي، أطلق مجنّد عمره 23 عاماً النار على مسؤوليه الذين رفضوا إعطاءه إذناً بالخروج فجرح ضابطاً في الشرطة. ثمّ انتحر.
قتل ثلاثة وجرح ثمانية
كان هذا في أحد المناطق الواقعة جنوب إيران. أمّا في شمالها، فأطلق شاب النار على جنود رفضوا نقله إلى قاعدة عسكرية أخرى فقتل ثلاثة وجرح ستّة. وفي أغسطس الماضي، قام مجنّد قادم من أفقر محافظات إيران بإطلاق النار على مجموعة من الجنود، قاتلاً ثلاثة وجارحاً ثمانية في طهران قبل أن يسقط في تبادل لإطلاق النار. وفارق الحياة وهو في طريقه إلى المستشفى.
إذلال جسدي وفساد
يعترف المراسلان أن التقارير الواردة من القواعد العسكريّة الإيرانية السرّيّة قليلة. والتفاصيل الآتية من وسائل الإعلام الرسمية شحيحة هي الأخرى. لكنّ المجنّدين يقولون إنّ هذا العنف لم يكن مفاجئاً. لقد وصفوا التجنيد بأنّه عبارة عن 21 شهراً من الإذلال الجسدي والضغط النفسي إضافة إلى الفساد، حيث تتضخّم مشاكل الصحة النفسية وتتعاظم المظالم الاجتماعية والاقتصادية. وقال آخرون إنّ المسؤولين يزيدون الضغوط على الفقراء في حين يتفادى الأغنياء الاختبارات الصعبة أو حتى التجنيد من أساسه.
“لا أشعر بأي وطنية في قلبي”
وتابع أحمد حديثة للصحيفة قائلاً: “يقع الجميع تقريباً ضحية التهديد وسوء المعاملة. أنا متعلّم، لذلك، لا أعامل بتلك القسوة. لكنني أكره الخدمة وأكره المحيطين بي. لا أشعر بأي وطنية في قلبي”. يشير المراسلان إلى أنّ هذه الحوادث طرحت الكثير من الأسئلة حول الجيش الإيراني الذي يضمّ 350 ألف جنديّ في الخدمة يشكل المجنّدون حوالي ثلثيهم. وعلى الرغم من كونه أضعف وأقل تمويلاً من الحرس الثوري، بقي الجيش التقليدي أحد أبرز أركان النظام الإيراني.
“يضحّون بسنتين من أجل ماذا؟”
عزّز الشعور المتنامي المناهض للملالي والأزمة الاقتصادية الطويلة مشاعر الغضب لدى الإيرانيين. وُلد جميع المجنّدين اليوم بعد الثورة، لذلك يقول الخبراء إنّ حوادث إطلاق النار تشير إلى جيل يزداد عداء للطبقة الحاكمة التي تسيطر على ما يشاهدون ويلبسون ويقرؤون ويأكلون. ويقلق هذا الجيل أيضاً من اقتصاد فشل في النمو بغضّ النظر عن الوعود بغد أفضل عقب التوقيع على الاتفاق النووي. يقول أستاذ علم الاجتماع في كلية دارتماوث ميساغ بارسا للصحيفة إنّ ما يجري هو “انعكاس للمشاكل الكبرى في المجتمع”. وأضاف بارسا صاحب كتاب “الديموقراطية في إيران: لماذا فشلت وكيف يمكن أن تنجح” أنّ كل المجندين تقريباً يعلمون أنّ مستقبلهم قاتم. “إنهم يضحّون بسنتين من حياتهم لكن من أجل ماذا؟ إنهم أكثر توتراً من الأجيال السابقة بسبب جميع الإخفاقات الاقتصادية والاجتماعية وغياب بدائل أفضل”.
الخدمة العسكرية في إيران إلزامية لجميع الذكور الذين تخطوا 18 عاماً لكنّ العائلات الثرية قادرة على دفع غرامات لإبعاد أبنائها عن التجنيد، لذلك دخل الإيرانيون الأفقر إلى الجيش بأعداد كبيرة. وتبدأ الخدمة بشهرين من التمارين الجسدية حيث يستيقظ المجندون قبل الفجر استعداداً لها كما يتعلمون استخدام السلاح والدفاع عن النفس والاستجابة للهجمات الكيميائيّة، ثمّ يذهبون لاحقاً لأداء واجبهم العسكري على مدى تسعة عشر شهراً.
والده سياسيّ فخدم في وزارة الدفاع
يذهب المجندون غير المتعلمين غالباً إلى مراكز عسكرية بعيدة بينما يملك ذوو المعارف القدرة على التفاوض حول الحصول على وظائف مكتبية لا تتطلب جهداً كبيراً. هذه الفوارق تسلّط الضوء على العوامل الأساسية التي كانت خلف حوادث إطلاق النار. تمّ تعيين رضا آغا رحيمي الذي أنجز مدّة خدمته في مقرات وزارة الدفاع لأنّ والده رجل سياسيّ في حين أنّ آخرين أُخبِروا خلال أول شهرين أنهم قد يُرسَلون إلى مناطق بعيدة لن يستطيعوا بعدها رؤية عائلاتهم: “تصوّر هذا، أنت مجنّد يافع تخدم في منطقة بعيدة، أنت تُذل من الضبّاط، تفتقد لعائلتك، موجود وحدك في برج كحارس وسط الليل، وتفكّر في مستقبلك، وهو أمر لا يمكن التنبّؤ به في إيران هذه الأيام. ثمّ يأتي أحدهم ويهينك فتغضب. هذا يمكن أن يجعلك تنفجر” يقول آغا رحيمي للصحيفة.
“تفتح عينيك فترى فساد دولتك”
يتحدّث رضا، 26 عاماً، مهندس برمجيّات، عن أنّه تفاوض مع مسؤوليه عبر إصلاح هواتفهم وحواسيبهم والإنترنت: “تفتح عينيك فجأة لترى كم أنّ دولتك فاسدة، وكشاب، إن هذا الاكتشاف يجلب لك اليأس.. ترى النفاق وهذا يجعلك تخسر الأمل بالمستقبل. إنّه أمر سيّئ جداً لدولة تريد من الشعب أن يكون وطنياً”.
يكتب المراسلان أنّ بعض الخبراء يرى في التجنيد خدمة لمصلحة نظام الملالي الذي قد لا يكون قادراً بنفس القوة على التحكم بجيش محترف. يقول آغا رحيمي: هم يريدون ملقّمي سبطانات مدافع ومصدراً للعمل المجّاني. الخدمة العسكريّة هي ممتص صدمات للمشاكل الاجتماعيّة. على مدى سنتين، تكون منشغلاً بعدم التفكير بالوظائف والمطالب الأخرى”.