في السنوات الأخيرة، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى سوق ضخم لتداول وبيع أدوية مغشوشة مجهولة المصدر، الغريب أن تلك الأدوية تلقى رواجًا كبيرًا، وخاصة أدوية علاج السمنة أو ارتفاع ضغط الدم والسكر، والمكملات الغذائية أو حتى ما يسمى بأدوية “السعادة الزوجية”، حيث بلغت حجم تجارة الأدوية مجهولة المصدر أو المروجة عبر الإنترنت نحو 16 مليار دولار، وفي مصر بلغ حجم تجارة الأدوية المسرطنة 10 مليارات جنيه، وفقا لإحصائيات غير رسمية.
كبسولة ديدان
بالتجول في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي نجد أن عشرات بل مئات الشكاوى التي كتبها أصحابها عن عملية غش في الأدوية التي اشتروها عبر صفحات، أو المستخلصات العشبية للسمنة أو بعض الأمراض الأخري، تقول إحدى السيدات كانت تعاني من السمنة المفرطة، وبلغ وزنها 130 كيلو جراما: حاولت تناول بعض الأدوية التي نصحني بها بعض المقربين.
وبالفعل وجدت ضالتي في إحدى الصفحات الخاصة ببيع الكبسولات التي كان يروج لها باسم كبسولات “مريت” للتخسيس، أو مستحضر “جامو” وكبسولات “ميزتاج”، وهي أدوية صينية، أو تأتي من دول شرق آسيا للتخسيس، وتحتوي على بويضات الديدان، وبعضها يرى بالعين المجردة، ويصاب مرضى السمنة المداومون على تناولها بحالة إعياء شديد، وتضيف السيدة عن تجربتها، من خلال صفحات التواصل الاجتماعي،: إنها كانت تستخدم هذه الأدوية بشكل يومي، وفي إحدي المرات نسيت الكبسولة على “رخامة” المطبخ، وبعد أن ذابت الكبسولة اكتشفت وجود ديدان مكانها، الأمر الذي دفعها إلى التوقف في الحال عن تناول تلك الأدوية.
الحوارق
أكثر الأدوية المغشوشة رواجًا على مواقع الإنترنت، والتي ثبت أنها من مسببات السرطان هي الأدوية الخاصة بالسمنة والمنشطات الخاصة بالرياضيين، والتي توصف بأنها “حوارق”، فهناك عشرات الصفحات تروج لدواء “الزنيكال” مدعية فاعليته الشديدة لمن يعانون من السمنة.
لكن هذا الدواء يعتبر محور جدل بين الناس، فتناول قرصين أو ثلاثة يوميا يؤدي إلى سرطان المعدة والإسهال الدائم، بحسب أبحاث نشرتها منظمة الصحة العالمية، وتروج عمليات البيع “أون لاين” لدواء يسمى “سلمينج.. Natural Max Slimming” وهو من أشهر حوارق الدهون خصوصًا للسيدات، تم منعه من قبل هيئة الغذاء والدواء بسبب مكوناته، حيث يحوي 3 مكونات ممنوعة “فياجرا، فلوكستين لعلاج الاكتئاب، وسيبوترامين يرفع ضغط الدم”، مما يؤدي لمشكلات صحية خطيرة تصل للوفاة خصوصا لمرضى القلب أو ضغط الدم سواء المرتفع أو المنخفض أو السكر.
دواء الخيول
ومن الأدوية مجهولة المصدر ويروج لها على مواقع الإنترنت للتخسيس دواء يسمي “كلينبترول Clenbuterol”، وهو دواء محفز للعصب السيمبثاوي، واستخدامه الطبي المعتمد في الأصل ليس للتخسيس وحرق الدهون، ولكن لأمراض التنفس المزمنة كموسع للشعب الهوائية ومزيل للاحتقان.
وقد تمت الموافقة عليه في أوائل السبعينيات كدواء للخيول، ويستخدم لأمراض التنفس المزمنة، وحاليًا غير مصرح باستخدامه من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية FDA في تركيب أي دواء لأي غرض طبي، حتى استخدامه الأصلي كموسع للشعب ومعالج لأمراض التنفس المزمنة، حيث يؤدي استخدامه لضيق في الأوعية الدموية والشرايين وخصوصًا الشريان ما بعد الأورطي، والتسمم الدرقي أو تسمم الغدة الدرقية، وهو ناتج عن إفراز مبالغ فيه لهرمون الغدة الدرقية، مصحوبًا بسرعة في ضربات القلب وضعف في العضلات وعدم تحمل الحرارة وخسارة الوزن، ويسبب الوفاة.
أدوية ضغط الدم
تستورد عصابات تجار الأدوية المسرطنة ومجهولة المصدر من الصين، 14 نوع دواء مسرطن تم ضخها لصيدليات مصرية، ويصل ثمن العلبة أو الحقنة الواحدة 2000 جنيه، وهذه الأدوية المجهولة خاصة بمرضى الضغط، وتحوي مواد خاصة مسرطنة منها “فالساركارد 80، فالساركارد كومب 80/12.5، وفالساركارد 160/12.5، وايليموليفان 5/160، وبرسثيوفال، وزارلودب، والكابرس بلس 5/160، والكابرس بلس 10/160، ودياسارتان 80، ودياسارتان كو 80، ودياسارتان 160، ودياسارتان كو 160، وأميلو بلس، وبلوكاتنس 5/160، وبلوكاتنس 10/160، وفازوتك 80” وغيرها.
والقائمة تطول وتضم 24 منتجا من الأدوية المسرطنة، التي يتم تداولها بأسماء مختلفة على الإنترنت، بوصفها علاجا لمرضى الضغط العالى، وهناك كميات كبيرة من الأدوية مغشوشة في السوق المصري تحمل علامات وأرقاما مزورة، حيث يروج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتصنع بشكل بدائي بمكونات مجهولة المصدر، حيث يروج لدواء تخسيس مغشوش يدعى “هيربال” يباع ببعض الصيدليات في أنحاء الجمهورية، ويتم بيعه أون لاين، حيث يتسبب الدواء المطروح في فشل كلوي وتدمير لخلايا المخ، ونفت الشركة الأسترالية المنتجة أن يكون المنتج مجهول المصدر المطروح في الأسواق المصرية من إنتاجها.
تحذيرات
وتتوالى التحذيرات من الأدوية المغشوشة المروجة عبر مواقع الإنترنت، حيث يقول محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى لحماية الحق في الدواء: إن هناك صفحات تبيع دواء للتخسيس به مادة السيبوترامين وهي مادة تم حظرها عالميا، وأثبتت التجارب أنها خطر على الصحة العامة، وتؤدي لانهيار عمل القلب بشكل سريع، وقامت الهيئة العالمية للدواء بسحب مستحضر ملك شركة أبوث العالمية لتسببها في الوفاة، وأوضح فؤاد أن هناك ظاهرة حدثت مع تعاظم التكنولوجيا ودخول الإنترنت في تفاصيل حياتنا، وهي ظاهرة بيع الدواء، ومنظمة الصحة العالمية حاولت تجريم ذلك في الدول الأعضاء بها، ولديها برامج لمكافحتها.
10 مليارات جنيه
فؤاد تحدث عن تحركات عالمية لمواجهة ظاهرة بيع الأدوية المغشوشة على الإنترنت، قائلا: بدأت عدد من الدول الأوروبية بالفعل تراقب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لتلك الأدوية المغشوشة، والتي توصف بالمسرطنة، وهناك تقارير دولية تقول إن حجم تجارة الأدوية المغشوشة والمجهولة المصدر يبلغ 15 مليار دولار.
ووزير الصحة السابق عادل العدوي ذكر في تصريحات له أن حجم الأدوية المغشوشة ومجهولة المصدر المروجة في مصر يبلغ 10 مليارات جنيه، فإذا كانت حجم تجارة بيع الدواء في مصر 60 مليار جنيه، فحجم تجارة الأدوية المغشوشة 10% من حجم بيع الدواء، وأضاف: العالم يواجه ظاهرة الدواء المغشوش والمسرطن فالصين قامت بتشديد العقوبة ووصلت للإعدام، وفي الهند رُفعت العقوبة من 3 سنوات إلى 15 سنة.
وأوضح فؤاد أن الدواء يباع في مصدر واحد هو الصيدليات، لكن مع انتشار مصادر التكنولوجيا انتشرت الأدوية المغشوشة، ومركز الحق في الدواء رصد 35 صفحة تبيع أدوية عن طريق الإنترنت، وهناك 11 صفحة تبيع أدوية منتهية الصلاحية، وكلها أدوية غير معروف مصدرها وإنتاجها، والأخطر أن نجد أدوية اختفت من السوق، لكنها وجدت في السوق السوداء، ما يطلق التخوفات أن يكون الدواء مزيفا، ويتسبب في مضاعفات للمرضى الذين يتناولونه، وتابع: “لدينا في التأمين الصحي 54% فقط من المصريين يمكنهم صرف الأدوية، والباقي لا يتوافر لهم ذلك، ويجب على الأسرة الحصول على الدواء، لذا تلجأ للأسواق الشعبية للحصول على الدواء أو الحصول على الأدوية المزيفة”.
مراكز الجيم
وأضاف فؤاد: “أي دواء على الإنترنت مُجرم، ويسبب مشكلات كثيرة، وخاصة ما يعرض للنحافة والرشاقة وتكبير العضلات، وكلها أدوية محظورة مُنعت في أوروبا، وخاصة أن العالم يتجه لمنع الأدوية في مجال التخسيس والنحافة، لتسببها في مشكلات صحية، والعالم عندما يتخلص منها في أوروبا، فإن تلك الأدوية المحظورة تجد طريقها إلينا في صالات الجيم، حيث توجد أدوية كثيرة في تلك المراكز تم حظرها، ووقف التعامل معها في أوروبا، لكنها توجد لدينا في مراكز الجيم”.
وطالب فؤاد بتشديد الرقابة على منافذ الدخول والخروج بمصر، ووضع أجهزة حديثة لكشف الأدوية المغشوشة التي تدخل البلد، وتشديد العقوبات على المخالفين، مشيرا إلى أن مباحث التموين خلال الشهرين الماضيين حررت محاضر لأدوية مغشوشة، وأغلقت عددا من الصفحات التي تروج لتلك الأدوية، لكن المشكلة تكمن في عودة تلك الصفحات بمسميات جديدة.