مصمما «ديور» و«سان لوران» يفتحان جدلاً فكرياً وفنياً في اليوم الأول من أسبوع باريس للموضة الجاهزة
A A من عرض «سان لوران» – من عرض «ديور»- الإكسسوارات لعبت دوراً مهماً في عرض «سان لوران» – اكتسبت الأحذية في عرض «سان لوران» مرحاً وشقاوة – قبعة البيريه التي ارتبطت بالفنانة نيكي دي سان فال – رغم قلة عدد فساتين السهرة فإن ما قدمته ماريا غراتزيا كيوري كان مميزاً وعصرياً يمكن اعتبار كل من ماريا غراتزيا كيوري وأنطونيو فاكاريللو يلعبان في ملعب جديد عليهما. فالأولى دخلت دار «ديور» كأول مصممة منذ تأسيسها والثاني تسلم مشعل دار «سان لوران» من هادي سليمان منذ فترة قصيرة أيضا، ومع ذلك نجح الاثنان في تحقيق الأهداف المتوخاة منهما كل بأدواته الخاصة والمختلفة.
في دار «ديور» لا تزال القصات أنثوية والقصة نسوية. فقد اختارت ماريا غراتزيا كيوري، المصممة الفنية للدار الفنانة كاثرين ماري أنييس المعروفة بنيكي دو سان فال كمُلهمة. ومن هنا كان ظهور المرايا في الديكورات وفي أشكال الفسيفسائية على بعض الأزياء إضافة إلى الألوان المتباينة بين الأزرق والأصفر وغيرها من التأثيرات التي أخذت أشكال تنورات من التول وفساتين منطلقة أو كنزات مطرزة بصور تنانين وديناصورات بالأخضر النباتي أو الأحمر القاني أو الفوشيا. أشكال القلوب التي ظهرت في كثير من أعمال الفنانة في الستينات من القرن الماضي أيضا كانت حاضرة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه نظرا لثراء أرشيف الدار، فإن المصممة حددت فترة مارك بوهان المصمم الفني للدار الفرنسية من الستينات إلى الثمانينات كنقطة انطلاق وتركيز لا سيما وأنه كان صديقا مقربا للفنانة نيكي واستلهم منها بدوره في فترة من الفترات. لكن ليس هذا هو السبب الوحيد الذي جعل ماريا غراتزيا تستقي من هذه الفترة وهذه العلاقة الكثير من الخطوط والألوان في تشكيلتها لربيع وصيف 2018، فتاريخ دو سان فال يشير إلى أنها فنانة قوية ساهمت في الحركة النسوية وتحرر المرأة بشكل فعلي ومباشر. ولم تقف هذه الحركة، أو بالأحرى تسليط الضوء عليها عند هذا الحد. فلدى وصول الضيوف إلى أماكنهم في متحف رودان وجدوا على كراسيهم كتيباً مفصلاً من حجم صغير بعنوان «لماذا ليست هناك فنانات عظيمات؟». سؤال أثار الكثير من الذكريات لأنه كان بحثا مهما نشرته الباحثة الأميركية ليندا نوشلين في عام 1971 وأصبح بدوره لصيقا بالحركة النسوية الفنية إلى حد كبير.
المصممة الإيطالية الأصل أجابت على سؤال الباحثة بأسلوب عصري راعت فيه رموز الدار وتطلعاتها التجارية في الوقت ذاته. فهذه التشكيلة، بكل ما تحمله من فنية وجمالية، يسهل تسويقها للعالم، نظرا للغتها السهلة البعيدة عن أي تعقيدات. ورغم أنها تعبر عن وجهة نظر امرأة قوية وواثقة تريد أن تتحرر من كل القيود وتُكسر التابوهات، فإنها في الوقت ذاته تخاطب كل الأعمار والأذواق لتحقق المعادلة الصعبة بين الفني والتجاري. وهذا عز الطلب بالنسبة للدار التي تحتفل هذا العام بمرور 70 عاما على تأسيسها بمعرض ضخم تستعرض فيه أعمال كل المصممين الذين مروا عليها وتركوا بصماتهم عليها، من إيف سان لوران الذي خلف كريستيان ديور بعد موته المفاجئ في عام 1957 إلى ماريا غراتزيا كيوري أول امرأة تنضم إلى اللائحة مرورا بجون غاليان وجيانفرانكو فيري ومارك بوهان وراف سيمونز. كان بإمكان كيوري أن تختار أياً منهم لتسلط الضوء على مفهوم الأنوثة الذي أصبح لصيقا بشخصية الدار، لكنها اختارت مارك بوهان تحديدا لأنه يمثل بالنسبة لها حقبة مهمة تزامنت مع تحرر المرأة في الستينات ونشاط الحركة النسوية في السبعينات، وهو ما يتماشى مع نظرتها إلى الحياة والفن والإبداع وطبعا توقها إلى الغوص في عالم المرأة لاستكشاف مكامن قوتها. فعنصر الأنوثة وحده لا يكفي ولا بد من إبراز جوانب أخرى من شخصية المرأة. صحيح أنها لم تُلغ وجود التنورات المستديرة أو المنسابة على التول لكنها ضختها بخطوط تضج بالقوة والتحدي. من هنا كانت أهمية اللعب على صورة الفنانة نيكي دو سان فال نفسها.
فأعمالها لم تكن المنبع الوحيد الذي غرفت منه المصممة بل أيضا أسلوبها الخاص. فالفنانة كانت معروفة بقبعات «البيريه» التي ظهرت على منصات العرض مزينة بستارة مخرمة تخفي نصف الوجه لكن تزيده غموضا وسحرا. كانت أيضا تعشق القمصان الواسعة، وهو ما ظهر هنا أيضا من خلال مجموعة مقلمة برقبة قوية تم تنسيقها مع فساتين بكورسيهات. وغني عن القول إنه كانت هناك الكثير من الفساتين المصنوعة من التول. فهذه أصبحت ماركة ماريا غراتزيا المسجلة منذ دخولها «ديور»، تماما مثل ميلها لتفكيك التعقيدات بهدف تسهيل الجانب التجاري. ورغم أن تقيدها بهذا الجانب جعلها محل انتقاد البعض فإنها ظلت وفية له، مبررة ذلك بأن الموضة يجب أن تحتضن الكل وهو ما يتطلب أسلوبا مباشرا، تُلخصه غالبا في التصاميم السلسة والرسائل التي تكتبها على «تي – شيرتات» أو كنزات بل وحتى الأحذية. أحيانا كلمة واحدة مثل الدار «ديور» مكتوب بالبنط العريض على شريط تكفي لتسويقها للعالم أجمع. والنتيجة أنه مهما كان حنين البعض إلى الموضة عندما كانت مختبر أفكار ورغبة محمومة للابتكار بمعنى تقديم الجديد والثوري، فإن الإكسسوارات والـ«تي – شيرتات» في أرض الواقع لا تزال تشكل المصدر الأول للربح. وما يُحسب لماريا غراتزيا كيوري منذ التحاقها بالدار أنها لم تستسلم للضغط ومقتنعة بوجهة نظرها الفنية. «فنحن نعتقد أحيانا أن الموضة تُغير المرأة بينما العكس يحصل. المرأة تتغير وهو ما يُحتم على الموضة أن تتغير لتسايرها»، هذا ما قالته بعد العرض وترجمته بالتخفيف من الأحجام الدرامية. فالتنورات المستديرة مثلا والفساتين الدرامية أصبحت أكثر حداثة، لا سيما وأنها باتت تركز على أزياء النهار والإكسسوارات أكثر مما تركز على فساتين السهرة والمساء، من منطلق أن امرأة اليوم تريد أزياء تناسب إيقاع حياتها اليومية المتسارع. فهي تعمل وتسافر كما أنها سيدة أعمال وأم وربة بيت، وبالتالي تتطلع إلى خزانة أنيقة تحملها من النهار إلى المساء بسهولة ودون متاعب. وهذا تحديدا ما قدمته لها امرأة مثلها، إضافة إلى درس تثقيفي فتحت فيه حوارا فكريا مع كل من الفنانة نيكي دو سان فال والباحثة والمؤرخة الفنية ليندا نوشلين، امرأتان كان لهما دور مهم في تاريخ الحركة النسوية وتسلمت مشعلها ماريا غراتزيا، التي تأمل بدورها أن تسلمها لجيل جديد من النساء.
إذا كانت ماريا غراتزيا كيوري اختارت أن تُسلح بنات جنسها بالقوة في عالم جديد يعيش عدة تغيرات سياسية واجتماعية، فإن أنطوني فاكاريللو اختار في نفس اليوم وعلى الساعة الثامنة مساء أن يُسلحها بالأنوثة من مفهوم حسي مثير. على خلفية برج إيفل قدم المصمم الشاب ما يمكن وصفه بأقوى تشكيلة قدمها لدار «سان لوران» لحد الآن.
من المكان «بلاس دي فارسوفي» إلى الأزياء كان كل ما فيه دراميا ومؤثرا. كونه أقيم في الهواء الطلق، أتاح للعامة أو السياح ممن لم يسعفهم الحظ بالحصول على دعوات خاصة متابعته من بعيد، الأمر الذي أشعل فضولاً حتى من لا يهتم بالموضة على الإطلاق ويجهل خباياها تماماً على الوقوف مشدوها من رهبة المنظر والاحتفالية.
كانت هذه ثالث تشكيلة يقدمها فاكاريللو للدار، وبدا فيها واثقا إلى حد الجرأة. لم تكن امرأته بريئة وهو ما أكدته مجموعة باللون الأسود تهادت فيها العارضات فيما يشبه رقصة البجع، وفسرها فيما بعد بأنها «امرأة تتمتع بجانب غامض وخطير في الوقت ذاته… تلف نفسها بالأسود لكن من خلال فساتين مطرزة تتألق مثل الإسفلت بعد وقف تساقط المطر» حسبما قاله بعد عرضه.
فاكاريللو يعرف أن جذور «سان لوران» راسخة في باريس وكل ما تعنيه من ليل يلفه الغموض والإثارة.
يعرف أيضا أن قوة الدار تكمن في إرث مؤسسها إيف سان لوران وشريكه بيير بيرجيه. من هنا استحضرت الكثير من التصاميم جرأة وشجاعة إيف الفنية كما استحضرت ذكاء وفطنة بيرجيه الذي كان القوة المحركة للمصمم.
سواءً تعلق الأمر بالأزياء أو الألوان أو الطريقة التي قسم بها كل مجموعة، تشعر بأن المصمم كان يحكي قصة «سان لوران» لجيل جديد لم يسعفه الحظ ويعايش الثورة التي قام بها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. بدأ الحكاية من مراكش من خلال تصاميم بلمسات «هيبية» وأنهاها بمجموعة تحاكي الـ«هوت كوتير». أدواته كانت الكثير من الريش والبريق والأحجام الدرامية حول الصدر والأكتاف والأكمام والفساتين والتنورات القصيرة جدا.
لكن الفني لم يكن على حساب التجاري، لا سيما وأن المصمم يعرف أن زبونته الشابة لا يهمها التاريخ والماضي بقدر ما يهمها الحاضر وجماله، لهذا وافق بين رغباتها وبين رؤية الدار الفنية. أبقى على الأزياء قوية في تصميمها وفنيتها، بينما لباها من خلال الإكسسوارات، التي يعرف مسبقا أنها أكثر ما سيحقق الأرباح، لهذا كان واضحا أنه صب فيها الكثير من الجهد، سواءً من حيث الألوان التي رشها بالكثير من البريق أو الكعوب الفنية. حسب ما قاله فإنها «موجهة لفتاة تريد أن تستمتع بالحياة ولا ترغب في أن يكون للحزن والكآبة مكان في حياتها».
لكن اللافت في هذه التشكيلة أن أنطونيو فاكاريللو لم يلب رغبات زبوناته وزبائنه فحسب، بل قدم فيها رسالة حب في غاية الرقة والوفاء لكل من إيف سان لوران وبيير بيرجيه الذي غيبه الموت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. فرنسا لمسات