أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عدداً جديداً من مجلته الدورية “آفاق اقتصادية معاصرة” وهي مجلة يصدرها شهريًّا لتقدم إطلالة على الآراء الاقتصادية المختلفة -لأبرز الخبراء والمحللين سواء من داخل مصر أو من خارجها-، والتي تشغل الدوائر الاقتصادية؛ وذلك لتقديم رؤى اقتصادية متكاملة لأهم الموضوعات المطروحة على الساحة، وجاء هذا العدد بعنوان “المناطق الاقتصادية الخاصة”.
تضمن العدد مقدمة بواسطة الذكاء الاصطناعي “ChatGPT” تم الإشارة خلالها إلى أن إقرار المناطق الاقتصادية الخاصة يُعد خطوة فعالة نحو تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، كما تمت الإشارة لمحتويات العدد والذي يتضمن الأهمية الاستراتيجية لتلك المناطق ودورها الفاعل في تشجيع الاستثمار وتوفير بيئة تشغيل ملائمة للأعمال، كما يقدم مجموعة من مقالات الرأي التي تتناول موضوع “المناطق الاقتصادية” والتي تسلط الضوء على التحديات والفرص والنظرة المستقبلية لهذا الجانب المهم من مسار التنمية، بالإضافة لأبرز مؤشرات الاقتصاد المحلي في مصر، والوقوف عند أحدث البيانات والإحصائيات لتقديم فهم عميق حول تطور الاقتصاد وتأثير المناطق الاقتصادية في هذا السياق، فضلاً عن استعراض مجموعة من المؤشرات الدولية التي تسلِّط الضوء على التحديات والاتجاهات العالمية المرتبطة بالمناطق الاقتصادية، وتقدم هذه المؤشرات نافذة إلى كيفية تأثير هذه المناطق في الساحة الدولية، وأخيرًا يقدم العدد توجهات الصحف الأجنبية المرموقة حول مستقبل المناطق الاقتصادية وآراء وتقييمات الخبراء العالميين لفهم نظرة العالم إلى هذا الجانب المهم من مسار التنمية الاقتصادية.
ومن أبرز مقالات العدد مقالًا بعنوان “المناطق الاقتصادية الخاصة في إفريقيا: الخبرات والدروس المستفادة” لكلٍ من “أ. م. د أميرة عقل أحمد أستاذ الاقتصاد المساعد والقائم بعمل رئيس قسم الاقتصاد كلية الأعمال جامعة بنها، و أ. م. د دعاء عقل أحمد أستاذ الاقتصاد المساعد كلية الأعمال جامعة بنها والمشرف على برامج كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال جامعة بنها الأهلية”، حيث استعرض المقال الخبرات الإفريقية في المناطق الاقتصادية الخاصة مع تسليط الضوء على تجربة مناطق طنجة المتوسط بالمغرب والإشارة لمجموعة من الدروس المستفادة لنجاح المناطق الاقتصادية الخاصة والتي تمثلت في، “الاستناد إلى مبررات اقتصادية سليمة عند إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة فيما يتعلق بأنواع الصناعات والأنشطة التي ينبغي استهدافها والموقع الجغرافي والبنية التحتية الداعمة”، “وضرورة وجود رؤية وطنية قوية طويلة الأجل ودعم مؤسسي لنجاح المناطق وتطويرها”، “وتقليل عدم توافق الحوافز بين المناطق الاقتصادية الخاصة والحكومات المحلية، وكذلك مراعاة توازن الحوافز بين الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص، بما يضمن تحقيق التعاون الفعال بين مختلف مستويات الجهات الحكومية والقطاع الخاص”.
ومن الدوس المستفادة أيضًا لنجاح المناطق الاقتصادية الخاصة، “الاستثمار في المهارات والتدريب بالتعاون مع الصناعة؛ لضمان توفر القوى العاملة المحلية لدعم متطلبات الصناعة”، “وتوفير الإطار القانوني والتنظيمي الذي يتسم بالشفافية والفعالية، أخذًا في الاعتبار جميع أصحاب المصلحة المشاركين في العملية، ويساعد هذا الإطار في معالجة قضايا الأراضي وتسهيل توفير البنية التحتية وضمان الامتثال لمعايير العمل والبيئة”، “وضمان الدعم السياسي رفيع المستوى والالتزام الواسع النطاق -بما في ذلك إنشاء لجنة مشتركة بين الوزارات للإشراف على تطوير البرنامج- قبل إطلاق أي برنامج”، “ووضع المناطق الاقتصادية الخاصة على أجندة التكامل الإقليمي، مع التركيز على دورها في تسهيل حجم الإنتاج الإقليمي وتكامل سلاسل القيمة الإقليمية”، “وتشجيع مشاركة القطاع الخاص والشراكات بين القطاعين العام والخاص لتخطيط وتصميم وإدارة تلك المناطق”، “ووضع معايير واضحة فيما يتعلق بالامتثال البيئي والعمالي والاجتماعي وتحديد المسؤوليات التنظيمية الواضحة للمراقبة والإنفاذ”.
كما تضمن العدد مقالًا بعنوان “الدور الاقتصادي للمناطق الاقتصادية الخاصة والتحديات التي تواجهها” لـ د. سماح المرسي أستاذ الاقتصاد المساعد كلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة، حيث تناول المقال المناطق الاقتصادية الخاصة من حيث تعريفها وجذور نشأتها ثم التركيز على قدرتها على المساهمة في دعم معدلات النمو في الاقتصادات الوطنية والتجارة الدولية، بالإضافة إلى عرض بعض من التحديات التي تواجه هذه المناطق وتقديم عدد من طرق وآليات مواجهتها حيث أثبتت التجربة أن معدلات النمو في المناطق الاقتصادية الخاصة في العديد من الدول التي تقام بها، جاءت متقاربة لمعدلات النمو الاقتصادي السائدة في الدولة، كما أنه وفقًا لبيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، فإن الدول التي ترتفع بها تكاليف تقديم الخدمات اللوجستية في المناطق الاقتصادية الخاصة الناجمة عن تدهور الخدمات المتقدمة من القطاعات الحكومية، وانتشار الفساد، وغياب الشفافية، هي الدول التي تعجز عن الاستفادة بالمزايا التي تتيحها هذه المناطق؛ حيث أن ضعف أدوات الرقابة من شأنه أن يخلق أرضًا خصبة للأنشطة غير المشروعة، مثل “غسل الأموال، والاتجار في الممنوعات”.
لذلك يتجلى دور المناطق الاقتصادية الخاصة في دفع عجلة النمو الاقتصادي عندما تساهم هيئات الجمارك في الدولة المعنية بدور فعَّال في صنع القرار وشؤون الحوكمة وتنظيم الإيرادات كما يلزم على هيئات الجمارك تصميم عملياتها بما يتوافق مع أهداف المناطق الاقتصادية الخاصة وهياكلها التنظيمية لتعزيز الاستفادة من منافع المناطق الاقتصادية الخاصة للدولة، وذلك يتحقق عندما تقوم هيئات الجمارك بالاطلاع على المعلومات الكافية عن الواردات والصادرات وإنشاء قواعد بيانات وتفعيل الأدوات التكنولوجية المتقدمة التي من شأنها تسهيل وتسريع عمل المناطق الاقتصادية الخاصة والدور الرقابي لهيئات الجمارك.
وتطرق المقال إلى استعراض تجارب كل من دولتي “الصين والمملكة العربية السعودية” فيما يخص المناطق الاقتصادية الخاصة والمنافع التي عادت على اقتصادات البلدين جراء إنشائهما لهذه المناطق، ويمكن استنتاج أن تلك المناطق تعتبر قصص نجاح وإلهام للعديد من الدول التي تتطلع إلى المزيد من الانفتاح على العالم الخارجي، وتعزيز التصنيع من أجل التصدير، ولكن يجب أيضًا أن يقترن إنشاء هذه المناطق بحزمة من التشريعات والقوانين الخاصة بها التي من شأنها أن تعزز الرقابة على العمليات القائمة بتلك المناطق، بالإضافة إلى تسهيل الإجراءات القائمة بها، والذي من شأنه العمل على إسراع حركة التجارة العالمية؛ الأمر الذي يصب في مصلحة المواطنين، فضلًا عن الاقتصادات المحلية والأسواق العالمية.
وتناول العدد مقالًا آخر بعنوان “المناطق الاقتصادية ودورها في تعزيز التنمية الاقتصادية.. الإمارات العربية المتحدة نموذجًا” لـ دكتور فرج عبد الله مدرس الاقتصاد المساعد وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، والذي أشار إلى التطور الكبير الذي شهده اقتصاد الإمارات خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث أدى التزام الحكومة الإماراتية بتحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تمكين التجارة وضمان حيادية المنافسة بجانب حماية المستهلك، إلى تعزيز وتطوير هيكل الاقتصاد القومي بها ليصبح أحد النماذج الاقتصادية المعاصرة التي تحولت من اقتصاد ريعي إلى متسارع النمو متعدد الأنشطة، وتمتلك الإمارات بيئة تشريعية متطورة تتوافق مع متطلبات التنمية ومحفزة وجاذبة للاستثمار تعزز من استقرار الوضع القانوني للاستثمار الأجنبي وتتيح التعدد التنوع، ولعل ما يميز هذه المحفزات ما يلي، “إتاحة التملك للأجانب بنسبة 100% للمشروعات”، “إتاحة تحويل الأرباح للخارج دون قيود”، “إجراءات التأسيس أقل كلفة ووقتًا وأكثر تنافسية”، “إعفاءات ضريبية تصل إلى 100% ورسوم جمركية”، “سهولة الوصول إلى الأسواق العالمية”، “خيارات تنافسية مقارنة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، “بنية تحتية حديثة ومتطورة”، “نظام قانوني مستقل وثابت”.
واشتمل العدد على مقال بعنوان “المناطق الاقتصادية.. التجربة الصينية” للأستاذة نورهان حسام مدرس الاقتصاد المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، حيث تشير تجربة الصين إلى أن الجغرافيا والموارد الطبيعية البشرية ورأس المال كلها ضرورية لنجاح المناطق الاقتصادية بالنسبة للبلدان النامية بشكل عام والبلدان الإفريقية بشكل خاص؛ حيث يشير ذلك إلى أن المناطق الاقتصادية في البلدان الأفريقية يجب أن تقع في مناطق تتمتع بوسائل نقل جيدة ولوجستيات وإمكانية الوصول إلى الموارد، مع وجود بعض العوامل الإضافية للنجاح كاقتصاد السوق المتطور والصناعة المحلية، والتركيز العالي للمواهب، وسياسات الموارد البشرية المبتكرة، والوصول إلى الأسواق المالية والمرافق الاستثمارية عالية الجودة.
استعرض المركز خلال العدد أبرز التجارب الدولية في إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة لكلٍ من “كوريا الجنوبية، وموريشيوس، وكوستاريكا”، كما تم استعراض مؤشرات المناطق الاقتصادية الخاصة عالميًا ومحليًا وتم تسليط الضوء على أهم المناطق الاقتصادية المصرية وهي “المنطقة الاقتصادية لقناة السويس” والتي تهدف إلى أن تكون واحدة من المراكز اللوجستية الرئيسة في المنطقة بدعم من العديد من مشروعات البنية التحتية الضخمة وخاصة المشروعات اللوجستية، ومن المناطق الاقتصادية المصرية أيضًا “مشروع المثلث الذهبي” والذي يتضمن إقامة مشروعات صناعية وتعدينية وسياحية وتجارية، لتحقيق التنمية في جنوب مصر، وقد وقع الاختيار على المنطقة بين قنا وسفاجا والقصير، التي تُعد إحدى أكثر المناطق ثراءً من حيث نسبة المصادر التعدينية وتمثل نحو 75% من الموارد التعدينية في مصر، وتعد المنطقة غنية بالمعادن الفلزية وغير الفلزية، بما في ذلك الحديد والنحاس والذهب والفضة والجرانيت والفوسفات التي تدخل في صناعة العديد من الصناعات ذات القيمة الاقتصادية العالية الجودة وصناعة مواد البناء والأسمنت، وتتيح الثروة المعدنية إمكانية إنشاء مصانع جديدة لإنتاج الأسمنت والزجاج والسيليكون والكيماويات ورقائق الكمبيوتر، وسوف تستخدم بعض المشروعات الأخرى المواد الخان مثل “الطين والحجر الجيري لصناعة الأسمنت وكذلك الطفلة الزيتية لإنتاج الجازولين”.
وأشار العدد إلى التوقعات المستقبلية للمناطق الاقتصادية، حيث تعد المناطق الاقتصادية الخاصة برامج “عالية المخاطر وعالية العائد” وقد مرت بمراحل مختلفة من التطوير مع التغيرات في المشهد الصناعي والأسواق العالمية وكذلك التقنيات، ولقد بدأت التجربة بـ “مناطق تركز الصادرات” التي تركز على التصدير وتطورت اليوم إلى مناطق متعددة الوظائف والقطاعات وحتى “المناطق الذكية” التي تهدف إلى تبني التحولات الخضراء والرقمية، وعلى الرغم من تنوع العديد من المناطق فإن المبادئ الأساسية لنجاحها تظل كما هي، وباعتبارها حلًا وسطًا أحاديًا جديدًا بين الدولة والسوق تمثل المناطق الاقتصادية الخاصة نهجًا تكميليًا أو بديلًا للتنمية للأدوات التي تدعمها اتفاقيات الاستثمار الدولية، من خلال وضع قيم التجارة والاستثمار الدولية للعمل ضمن ولاية قضائية محلية “خاصة” ولكن دون تطبيق صارم، وغالبًا ما تعمل المناطق الاقتصادية الخاصة كمقدمة أو “أرضية اختبار” لـ “الانفتاح” الكامل لبلد ما أو اقتصاد ما، ومع تزايد التدقيق في المناطق الاقتصادية الخاصة من قبل مؤسسات التعليم المستقلة، يجب أن تحاول قوانين ولوائح المناطق الاقتصادية الخاصة التوافق مع المعايير الدولية قدر الإمكان لضمان سلاسة عملياتها.
وأخيرًا، فإن تصميم استراتيجية للمناطق الاقتصادية الخاصة هو عملية معقدة للغاية ولا يوجد نهج أو مقياس واحد يناسب الجميع ولذلك فإن أي تجارب أو دورس مستفادة ناجحة يجب أن يتم تكييفها مع السياق المحلي حتى تكون مفيدة، كما يلزم اتباع نهج حكيم في أي سياق.