أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عدد جديد من مجلة آفاق اقتصادية معاصرة، وهي مجلة تقدم المجلة إطلالة على الآراء الاقتصادية المختلفة لأبرز الخبراء والمحللين، سواء من داخل مصر أو خارجها والتي تشغل الدوائر الاقتصادية؛ وذلك لتقديم رؤى اقتصادية متكاملة لأهم الموضوعات الاقتصادية على الساحة، ولاستعراض أبرز المؤشرات المحلية والدولية مع التركيز على موضوع محدد في كل عدد.
وتناول العدد الجديد موضوع “ريادة الأعمال”، حيث حظيت باهتمام بالغ في الآونة الأخيرة خاصًة ما بعد جائحة كوفيد-19 وما أفرزته من انعكاسات وآثار على الأسواق كافة، وبخاصة سوق العمل، الأمر الذي يتطلب الوقوف على أهمية تعزيز ريادة الأعمال لتصبح أحد الروافد الأساسية لنهضة الاقتصاد الوطني.
وناقش العدد من خلال الخبراء مفهوم ريادة الأعمال بأنواعها وأهميتها مع توضيح آليات تعزيز ريادة الأعمال في مصر، حيث أشار إلى أن هناك ثلاث طرق رئيسية يمكن للحكومات من خلالها تعزيز الابتكار وريادة الأعمال منها تطوير بيئة العمل، وتنمية المواهب، وتشكيل الثقافة، مضيفًا أنه عندما يتعلق الأمر ببناء اقتصاد الابتكار تحتاج الحكومات إلى تعزيز ثقافة يتم فيها تشجيع الابتكار وريادة الأعمال والاحتفاء بهما ومكافأتهما.
واستعرض العدد الجهود الرسمية الحالية لتعزيز قدرات قطع ريادة الأعمال، حيث شجعت الدولة المصرية الفرص المحلية المتاحة لتحفيز الاقبال على هذا النوع من الأعمال كخيار مهني مرغوب، ووفقًا لبيانات المرصد العالمي لريادة الأعمال “GEM”، فقد تضاعف المعدل الإجمالي لنشاط ريادة الأعمال في المراحل المبكرة في مصر تقريبًا من 6.7% في عام 2019 إلى 11.3% في عام 2020، ثم بلغ نحو 9.21% عام 2021، وذلك بالرغم من تداعيات انتشار جائحة كوفيد 19.
وتمت الإشارة إلى أن الدولة أولت اهتمامًا بضرورة تحفيز نمو قطاع ريادة الأعمال المحلي، ولعل توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسي بمنتدى إفريقيا 2018 في شرم الشيخ، كانت خير دليل على هذا الاهتمام إذ تضمنت تكليف مؤسسات الدولة بتوحيد جهودها نحو تأسيس أول مركز إقليمي لريادة الأعمال في مصر؛ بهدف تقديم كافة سبل الدعم اللازم للشركات الناشئة في مصر ودول المنطقة، والدعوة لتأسيس صندوق التمويل العربي الإفريقي لدعم ريادة الأعمال في العالم العربي وإفريقيا.
كما تم إطلاق مبادرة تدريب 10 آلاف شاب مصري وإفريقي كمطوري ألعاب وتطبيقات إلكترونية، هذا فضلًا عن المبادرة الوطنية التي أطلقها البنك المركزي إلى جانب شراكات مختلفة مع القطاع الحكومي والخاص والمعروفة باسم “مبادرة رواد النيل”، والتي بدأت منذ عام 2019، لدعم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في مجالات التصنيع والزراعة والتحول الرقمي من خلال تطبيق أدوات الابتكار المختلفة.
وقدم العدد من خلال رؤى وأفكار الخبراء والمحللين مجموعة من الأهداف يمكن تحقيقها من خلال الإطار التشريعي المطلوب والذي يراعي خصوصية قطاع ريادة الأعمال وكان من أهمها، وضع معايير لتعريف الشركات الناشئة وإجراء إصلاحات لتشجيع ريادة الأعمال وتأمين الوصول إلى التمويل وتنظيم عملية تأسيس الشركات وتصفيتها، وتقليص أوجه التعارض فيما بين الجهات المختلفة مع وجود جهة وحيدة مختصة بتنمية قطاع ريادة الأعمال، وتوسيع البنية التحتية التكنولوجية ودعم استراتيجية التحول الرقمي.
وتم تحفيز الاستثمارات في مجال ريادة الأعمال والشركات الناشئة بشكل إيجابي ينعكس على تحقيق أهداف رؤية مصر 2030، وتوفير فرص عمل لائقة، وخلق مناخ داعم للمنافسة بين المنشآت، وتحسين نوعية الحياة ومستوى الرفاهة الاجتماعية، وجعل مصر مركزًا إقليميًا جاذبًا لرواد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا للابتكار، واتخاذ كل الإجراءات والآليات اللازمة لخلق بيئة مواتية وداعمة لتشجيع مشروعات ريادة الأعمال والشركات الناشئة.
وأشار العدد إلى تحديات وفرص ريادة الأعمال بمصر، مشيرًا إلى أن أهم ما يميز ريادة الأعمال أنها تتعامل مع التحديات كمصدر للأفكار وخلق فرص لتقديم حلول لمشكلات المجتمع ثم تحويلها إلى نماذج تجارية بغض النظر عن الموارد المتاحة، ومن أهم التوصيات في هذا الصدد، تحسين مهارات العنصر البشري للوصول للمنافسة الدولية وعلى نحو مستدام عن طريق إضافة منهج ريادة الأعمال بالتعليم ما قبل الجامعي بالدارس، وإنشاء مجلس قومي للشركات الناشئة أو مؤسسة سيادية تابعة للدولة المصرية وتضم قصص نجاح رواد الأعمال خاصًة في مجالات تقنية المعلومات والتحول الرقمي، وتفعيل فوري لتراخيص شركات “SPAC” بمشاركة رجال الأعمال المصريين والعرب مع الجهات السيادية الداعمة لريادة الأعمال في مصر، وضرورة تفعيل قاعدة بيانات موحدة لجميع حاضنات ومسرعات الأعمال العاملة في مصر وحصر أعمالها تحت قيادة جهاز تنمية، وأيضًا توحيد الرؤية والمفهوم لريادة الأعمال في مصر لدى صانعي القرار بالمؤسسات العامة والخاصة.
وناقش العدد آليات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لصالح المنفعة العامة من خلال استعراض تجربة شركة “Amb.AI” التي تم تأسيسها على فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي كقوة تحسن مستوى المواطنين، وهو هدف يتآزر مع استثمار الحكومة المصرية الهائل في إصلاح أساس الاقتصاد المصري من أجل تحسين مستوى حياة المواطنين.
وساعدت الشركة بالفعل عملائها على تقليل وقت الفحص والتكلفة بنسبة تصل إلى 80% عبر تشغيل مقاطع الفيديو لتحديد الأجزاء التالفة وزيادة معدل اكتشاف العيوب إلى 97% وامتدت ميزة الشركة إلى ما هو أبعد من التكلفة المباشرة وتوفير الوقت لزيادة التكامل الرقمي عبر مختلف المنصات التي يستخدمها عملاء الشركة، كما يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل المعلومات وإدراجها في العديد من العمليات المتتالية وكل هذا يسهل التكامل بشكل أفضل ويبسط عملية صنع القرار.
وأشار العدد إلى ازدهار البنية التحتية المصرية، حيث إن الزيادة غير المسبوقة في الإنفاق والتنمية التي تشهدها البنية التحتية المصرية –حيث رفعت مصر استثماراتها بنسبة 340% في السنوات السبع الماضية- لا مثيل لهما في جميع أنحاء العالم من حيث التغطية الجغرافية والحجم.
وبالإضافة إلى الازدهار في تطوير البنية التحتية المادية تعيد الحكومة المصرية تعزيز البنية التحتية الرقمية، بدءًا من رقمنة العمليات الحكومية إلى توسيع وتحسين الاتصال وانتقالًا إلى الاستثمار في التعليم التكنولوجي والأمن السيبراني، ووفقًا لتقرير حديث من الحكومة المصرية حول “الرقمنة في مصر” أدى الاستثمار في الاقتصاد الرقمي إلى زيادة بنسبة 25% في صادرات التكنولوجيا ونمو بنسبة 16% في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهذه الممارسات تخفف من المخاطر وتشجع شركات التكنولوجيا على المغامرة في السوق المصرية، وتعد الثورة الرقمية التي تمر بها مصر هي الوضع الأمثل لتقييم وتطوير التطبيقات التي تسرع من الانتقال إلى المدينة الذكية المتكاملة.
واستعرض العدد مجموعة من مؤشرات ريادة الأعمال في مصر، فوفقًا لبيانات التعداد الاقتصادي 2017/2018، بلغ عدد مشروعات ريادة الأعمال الصغيرة ومتناهية الصغر (المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي) نحو 2 مليون منشأة بنسبة 53% من إجمالي المنشآت العاملة في مصر.
وأشار التقرير إلى مسح السكان البالغين “APS” وهو استبيان شامل يضم على الأقل 2000 بالغ ومصمم لجمع معلومات مفصلة عن نشاط ريادة الأعمال عن نشاط ريادة الأعمال مواقف وتطلعات المستجيبين ويقوم التقرير بتقييم النظام البيئي لريادة الأعمال من خلال مسح الخبراء الوطني “NES” والذي يوفر بيانات حول السياق الذي تتم فيه ريادة الأعمال في بلد ما.
وجاءت أهم الإحصاءات عن مصر لعام 2021 وفقًا للتقرير السابق ذكره على النحو التالي، بلغ معدل نشاط ريادة الأعمال في المرحلة المبكرة في مصر نحو 9.21%، أي أن 9.21% من السكان البالغين في مصر يقومون حاليًا بإنشاء شركة جديدة أو بدأوا نشاطًا تجاريًا، علاوة على ذلك لا يزال هناك اهتمام عالي للغاية بإنشاء شركات حيث أشار 55.29% من المصريين من غير رواد الأعمال عام 2021 إلى اهتمامهم أو نواياهم لبدء عمل تجاري خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وبلغت النسبة المئوية للأفراد المصريين البالغين والذين هم حاليًا مالكون / مديرون للأعمال التجارية القائمة علم 2021 نحو 3.56%، أما عن معدل الخوف من الفشل فقد وافق 53.03% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عامًا على أنهم يرون فرصًا جيدة ولكنهم لن يبدأوا مشروعًا تجاريًا خوفًا من فشلها.
على الصعيد ذاته أشار تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2021 إلى أن السياسات الحكومية الأخيرة في مصر قد استهدفت تعزيز ريادة الأعمال لجعل الاقتصاد أكثر قدرة على المنافسة وتم اقتراح إصلاحات لزيادة دور القطاع الخاص وتسريع القدرات الرقمية بحلول 2024.
ووفقًا لنتائج المسح الوطني لريادة الأعمال “NES 2021″، فقد سجلت مصر 4.3 و4.4 نقطة على التوالي في الشروط الإطارية لتمويل ريادة الأعمال وسهولة الوصول إلى تمويلها، وتحسنت الضرائب والبيروقراطية إلى 4.2 نقطة في عام 2021 من 3.2 في 2020 مما يشير إلى تخفيف بعض عقبات الدولة السابقة أمام بدء عمال تجاري، وتحسنت الظروف المحلية في مصر مما يعكس زيادة الرغبة في الحصول على سلع وخدمات جديدة يقدمها رواد الأعمال، بالإضافة إلى رفع الخبراء المصريون درجاتهم إلى 5.6 نقطة في 2021 من 5.1 في 2020، وتشير هذه الدرجات معًا إلى أن بعض الأساسيات اللازمة لتحفيز ريادة الأعمال في مصر موجودة وينطبق هذا بشكل خاص على التمويل وظروف السوق المحلية والبنية التحتية.