نشر موقع الشروق الإخباري مقال للكاتب الصحفي “عماد الدين حسين” بعنوان “حقوق الإنسان.. الفعل ورد الفعل!” جاء على الآتي :-
سؤال: إذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد دخل فى حوار علنى ومفتوح مع الصحفيين الفرنسيين بشأن حقوق الإنسان والحريات خلال المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى باريس يوم الإثنين الماضى، فما الذى يمنع بقية المؤسسات المصرية، أن تفعل الأمر نفسه مع المجتمع الدولى، حينما تدعو الحاجة لذلك، حتى لا يصبح ملف حقوق الإنسان سيفا مسلطا على الدولة والحكومة والنظام طوال الوقت؟!
حينما زار الرئيس الفرنسى ماكرون القاهرة فى يناير من العام الماضى، وقف يعظ المصريين فى حقوق الإنسان، ودخل فى جدال كبير مع الصحفيين المصريين بشأن هذا الملف، ويومها أيضا تدخل الرئيس السيسى، وتحدث عن مفهومه لحقوق الإنسان، بحيث يشمل حقه فى الحياة الكريمة وفى إطار الظروف التى تواجهها مصر، وليس فقط بالمفهوم الغربى فقط.
نفس النقاش مع فارق درجة الحدة والسخونة والمقاربة تكرر تقريبا خلال لقاء باريس الأخير.
فى لقاء الاتحادية بالقاهرة قبل عام تقريبا، كان ماكرون متحفزا، وتحدث وكأنه يخاطب جمهوره ومؤيديه وناخبيه فى فرنسا، وفى لقاء باريس الأخير، كان يتحدث كرجل دولة وبصورة واقعية، وربما يكون قد أدرك أن استقرار مصر فى هذه المنطقة المضطربة هو الأولوية الأولى، من دون أن يغفل أنه مختلف مع السيسى فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان.
السؤال بصيغة ثانية: أيهما أفضل أن تستمر الحكومة فى التعامل مع ملف حقوق الإنسان، وكأنه غير موجود، أم تتعامل معه بصورة واقعية وتتولى معالجة الأمر بصورة هادئة وعلمية، حتى لا يتحول «الصداع البسيط» إلى مرض مزمن؟!
ظنى الشخصى أن كلام الرئيس السيسى كان واضحا وقويا، وهو يرد على الصحفيين الفرنسيين خلال المؤتمر الصحفى.
لكن بطبيعة الحال فإن الرئيس، لن يتفرغ للرد على كل ما يثار فى هذا الملف طوال الوقت. الرئيس وخلال المؤتمر كشف عن وجود «مقاربة بشأن إستراتيجية حقوق الإنسان فى مصر».
أتصور أن هذا شىء مهم، ويمكن البناء عليه، لكن البداية أن ينهمك كل ذوى الشأن فى نقاش جاد وحقيقى، من أجل البحث عن أفضل صيغة للتعامل فى هذا الملف.
مبدئيا أتصور أن مجمل الواقع الراهن، والتغيرات الدولية الأخيرة، تحتم إعادة التفكير فى كل الآليات والأدوات التى كانت سائدة فى الماضى. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: هل هذه الآليات ما تزال مجدية، أم علينا تجريب أساليب وأدوات جديدة؟!
أسوأ إستراتيجية هى أن تتصرف الحكومة، «وكأن على رأسها بطحة»، لكن من الأسوأ أيضا أن نتعامل وكأننا دولة نموذجية فى حقوق الإنسان على مستوى العالم ونصدق ذلك.
لدينا مشاكل حقيقية، ولدينا محاولات للعلاج، لكن من المهم أن يتم ذلك فى إطار رؤية جديدة محددة، ليس فقط لإقناع الخارج، بأن هناك مقاربات جديدة، ولكن لأن المصريين يستحقون ذلك أولا.
علينا أن نحاكم المجرمين والإرهابيين ونطبق عليهم أقسى وأقصى العقوبات، فى إطار القانون، وبما لا يمثل أى انتهاك لحقوق الإنسان، لأنه فى اللحظة التى يتم القبض فيها على أعتى الإرهابيين تصبح له حقوق ينبغى احترامها.
أتصور أنه من المهم بذل جهد أكبر من أجل تغيير النظرة السلبية السائدة عن مصر فى ملف حقوق الإنسان.
لا أعنى بكلامى من قريب أو بعيد الرضوخ لبعض المنظمات الحقوقية المشبوهة، التى لا تكف عن التربص بمصر والتشهير بها، لكن هناك أيضا فى المقابل حكومات غربية مؤثرة صارت تصدر بيانات ضدنا بصورة شبه أسبوعية.
لنطبق القانون بأقصى درجاته ضد المنظمات المخالفة، ولكن فى نفس الوقت، علينا ألا نضع الجميع فى سلة واحدة، وحسنا فعل قاضى التحقيق حينما أصدر قرارا قبل أيام بألا وجه لإقامة الدعوى بحق عشرين منظمة حقوقية كانت تخضع للتحقيق منذ نهايات عام 2011.
الحكومة المصرية جربت كثيرا فى السنوات الماضية أن تكون فى موقع رد الفعل.. هل آن الأوان لتجرب طريقة الفعل؟!