آراء أخرىعاجل

مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان ” المجازفة المحسوبة فى ليبيا وإثيوبيا”

مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان ” “المجازفة المحسوبة فى ليبيا وإثيوبيا” جاء على النحو الآتي :-

لماذا لم يتم منع وصول ليبيا إلى الحالة التى وصلتها الآن؟
وما الذى منع الدول الراغبة فى استقرارها من التحرك المبكر حتى لا نصل إلى اللحظة الراهنة؟
ولماذا لم نظهر «العين الحمرا» مبكرا لإثيوبيا حتى لا تفرض علينا بدء الملء الانفرادى لسد النهضة من دون اتفاق، كما حدث ليلة يوم الثلاثاء الماضى؟!.
المهم الآن طرح السؤال التالى: هل نتعلم من الدرس الراهن فى كل القضايا المماثلة المقبلة؟!.
هل نتعلم من الأزمة الليبية الراهنة، أن نتحرك سريعا بحيث لا نتفاجأ بأن الميليشيات قد أحكمت سيطرتها على ليبيا، وأن تركيا صارت على حدودنا الغربية؟!
فى تقديرات خبراء كثيرين أن مصر والإمارات والسعودية واليونان وقبرص وفرنسا، وكل الدول الرافضة لسيطرة المتطرفين على ليبيا كان يفترض أن تتحرك بصورة أسرع فى السنوات الماضية، حتى لا تزداد المشكلة تعقيدا.
بل إن هناك رأيا يقول إن مصر كان يفترض أن تتدخل فى ليبيا عقب إسقاط نظام معمر القذافى نهاية ٢٠١١، وتعمل على إقامة دولة بمؤسسات مستقرة وجيش موحد، بل إن هناك رواية تقول إن قوى دولية كثيرة لم تكن تمانع فى التدخل المصرى وقتها لضمان عدم تحول ليبيا إلى دولة فاشلة، تثير القلاقل لأوروبا عبر المتطرفين والمهاجرين غير الشرعيين.
الذى حدث هو العكس. وكانت قطر هى الأكثر تدخلا وللأسف الأكثر تأثيرا، ثم فوجئنا بأن قطر كانت غطاء لتركيا وقوى دولية أخرى، والنتيجة تكاد تكون تحول ليبيا إلى الحالة الصومالية أو السورية.
قد يكون كل ما سبق أسئلة جدلية انتهى زمانها، وأنه علينا النظر للأمام.
الآن نشاهد تركيا ترسل كل لحظة المزيد من المرتزقة والأسلحة، بل وتحصل على دعم العديد من القوى الكبرى مثل أمريكا وإيطاليا، والى حد ما دول الجوار مثل تونس والجزائر.
لا أعنى بكلماتى السابقة التورط العسكرى المباشر، وإرسال جنودنا إلى صحراء شاسعة، قد تتحول إلى كمين ومستنقع، لكن المقابل لا يكون بالنأى والابتعاد تماما.
هناك العديد من الطرق والأساليب التى تجعلنا أصحاب المبادرة والأكثر تأثيرا فى الملف الليبى. وجودنا بجوار ليبيا يجعل لنا اليد الطولى مقارنة بتركيا، التى تفصلها عن ليبيا البحر المتوسط وآلاف الكيلومترات. وطالما أننا أعلنا عن خط أحمر عند سرت والجفرة. فمن المهم ألا نجعل عناصر الميليشيات والمرتزقة يفاجئوننا بأنهم هم الذين يحددون موعد ومكان المعركة.
ومثلما تم ضرب قاعدة الوطية غرب طرابلس بطيران مجهول قبل أسبوعين، يفترض أن يكون ذلك هو الأسلوب المتكرر كثيرا أى «قصقصة ريش» الميليشيات أولا بأول عبر القصف الجوى المستمر، حتى تصل إليهم رسالة واضحة بأنهم سوف يدفعون ثمنا فادحا لعنجهيتهم، وأن تصل رسالة مماثلة لتركيا بأن تحديها المستمر لمصر على حدودها المباشرة سيكون له ثمن كبير.
سيقول البعض إن صبرنا فى الماضى كان مهمًا حتى لا نبدو فى صورة الدولة الراغبة فى عدم التدخل فى شئون جيرانها، وأننا لو فعلنا ذلك لكانت صورتنا سيئة دوليا. سنفترض أن هذا المنطق سليم، لكن ماذا بعد أن وقعت الواقعة الآن؟!.
علينا أن نتعلم منطق المجازفة المحسوبة؛ لأنه إذا كنا نبحث عن دور ومكان وهيبة وتأثير وحماية مصالحنا وأمننا القومى فلابد ألا نضع يدنا على خدودنا وننتظر من الآخرين أن يحققوا أهدافنا.
مطلوب منا أن نجرب طريقة المجازفة والمغامرة المحسوبة دفاعا عن أمننا ووجودنا، ليس فى ليبيا فقط، ولكن عند منابع النيل.
البلطجة الإثيوبية التى ظهرت مؤخرا بإعلانها أنها انتهت من ملء المرحلة الأولى من سد النهضة، هى رسالة فى غاية السلبية وأصابت جميع المصريين بالإحباط.
لا أعرف كل تفاصيل المشهد وكواليس المفاوضات، لكن ما أدركه جيدا أنه إذا كانت إثيوبيا قد تصرفت بهذا الصلف والتحدى والعنجهية، فقد آن الأوان كى تصلها رسالة مختلفة، بجانب هذه المفاوضات، التى يراها البعض عبثية.
فى عالم اليوم الذى نعيش فيه ينبغى أن تكون لنا أنياب بارزة، بل ويتم تجريبها ضد من يتجرأ علينا، حتى لا يطمع فينا «كل من هب ودب».

زر الذهاب إلى الأعلى