نشر موقع ” الشروق ” مقال للكاتب “عماد الدين حسين” بعنوان عالجوا «خراب المنظومة» أولًا جاء على النحو الآتي :-
إلى أن نعرف حقيقة ما حدث فى كارثة جرار محطة مصر، صباح أمس، فدعونا نتحدث عن منظومة النقل فى مصر.
تحقيقات النيابة قد تدين السائق أو مجموعة أشخاص، وقد لا نستبعد وجود إهمال وتقصير أو حتى شبهة تعمد، لكن الأفضل والأصوب أن ننتظر التحقيقات الرسمية، ونتحدث عن هذه «المنظومة الخربة» التى تعيد انتشار هذه الحوادث الدموية بصورة شبه دورية.
وحتى لا يتصور البعض بأننا نقوم بجلد الذات دائما، نؤكد أن حوادث القطارات تقع فعلا كل يوم. وفى كل مكان بالعالم، لا فرق بين دولة متقدمة وأخرى متخلفة، لكن الفارق الجوهرى هو أن الدول المتقدمة لا تشهد إلا حوادث قليلة جدا، مقارنة بالحوادث المتكررة عندنا، تؤدى إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.
النقطة الأخرى هى أنه لا يمكن أن نحمِّل الحكومة الحالية فقط، ووزارة النقل وهيئة السكة الحديد،
ما يحدث من حوادث فى مرفق السكة الحديد نتيجة تراكم سنوات طويلة من الفشل والإهمال والتواطؤ ونقص الموارد وانعدام شبه تام للكفاءة والتدريب والتأهيل.
ما يحدث فى مرفق السكة الحديد فى السنوات الأخيرة يعود فى جزء كبير إلى نقص الموارد، وسمعنا الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحدث أكثر من مرة إلى حاجة هذا المرفق لعشرات المليارات من الجنيهات لإعادة تطويره وتأهيله.
المؤكد أن الحكومة فكرت أكثر من مرة فى رفع أسعار تذاكر السكة الحديد التى تراها الحكومة منخفضة جدا وغير اقتصادية بالمرة.
وبالمصادفة فإن أحد المسئولين قال قبل الحادث بساعات إن ثمن ما يدفعه الراكب فى بعض الحافلات الخاصة، يساوى ثلاثة أضعاف ما يدفعه فى الدرجة الأولى المكيفة بالقطارات.
لم ترفع الحكومة أسعار التذاكر، لأنها تصادفت فى أكثر من مرة مع ارتفاعات فى مرافق أخرى، مرة مع تعويم الجنيه ومرة مع ارتفاع أسعار الوقود، ومرة مع ارتفاع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، ولأن الحالة الاقتصادية لغالبية الناس صارت صعبة جدا.
لا توجد أموال كافية أيضا لإكمال ميكنة كل إشارات السكة الحديد إلكترونيا، بدلا من الاعتماد على «إشارة المحولجى اليدوية» أو حتى الهاتفية، هناك أيضا الحاجة لتحويل المزلقانات الكثيرة من يدوية إلى إلكترونية حديثة.
لكن وللموضوعية فإن المشكلة ليست فقط فى قلة الموارد، لكن الأخطر أنها تتمثل فى انهيار الجهاز الإدارى لمرافق كثيرة فى الدولة ومنها السكة الحديد.
هناك شكوك كثيرة حول وجود تدريب وتأهيل حقيقى لعدد كبير من العاملين. كثرة الحوادث تعكس وجود نقص شديد فى الكفاءة الفنية، لكن الأكثر خطورة هو وجود إهمال إدارى جسيم، يقود لمثل هذه الخسائر المتوالية. يمكن تفهُّم وقوع بعض الحوادث لأسباب فنية خارجة عن الإرادة، لكن ليس معقولا بالمرة أن يموت أناس بهذه الأعداد وبهذه الطريقة، بسبب هذه الأخطاء التافهة.
هناك تقارير لا أعلم مدى دقتها عن وجود مستشارين لا يعملون أو وجود أرباع وأخماس الموهوبين، على رأس إدارات كثيرة فى الحكومة.. نتمنى أن تخرج الهيئات والمؤسسات المختلفة لحسم هذا الجدل، الذى ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعى كالنار فى الهشيم.
المشكلة لا تتوقف فقط على انعدام أو نقص الكفاءة فى السكة الحديد، لكنها تشمل أيضا عناصر أخرى مساعدة، فى مثل هذه الحوادث، مثل سرعة وصول أجهزة الدفاع المدنى.
مرة أخرى المشكلة ليست فى شخص المسئول سواء كان رئيس الحكومة أو وزير النقل، ورئيس هيئة السكة الحديد. المشكلة المنظومة، وبالتالى فعلينا أن نبحث عن وجود مشكلة وليس فقط المتسبب فيها. استقال وزير النقل تصرف صحيح لكنه لن يحل المشكلة الجوهرية وهى المنظومة المتهالكة.
بالطبع نريد أن نعرف ماذا حدث فى كارثة أمس، لكن الأهم أن نصل إلى بداية طريق يقودنا إلى تخفيض عدد الحوادث، لتصبح مثل كل خلق الله من البلدان العادية، وليس فقط المتقدمة.
نتمنى أن تكون تلك هى الحادث الأخيرة التى نعيد فيها تكرار مثل هذه الكلمات كل مرة.. نتمنى أن نرى بداية علاج فعلى للأسباب الكامنة وراء غالبية هذه الحوادث.
وتذكروا أن مثل هذه الحوادث التى تقع لأسباب شديدة التفاهة، تغطى على أى إنجاز، وعلى سبيل المثال فإن هذا الحادث، غطى تماما على كل ما تم صنعه فى القمة العربية الأوروبية الأخيرة بشرم الشيخ.. للأسف الشديد.