نشر موقع الشروق مقال للكاتب عماد الدين حسين بعنوان لماذا لا نكرر ما حدث فى جامعة القاهرة؟! جاء على النحو الآتي :-
فى السابعة والنصف من صباح يوم السبت ذهبت إلى جامعة القاهرة لحضور اليوم الأول من مؤتمر الشباب. للوهلة الأولى أصبت بدهشة كبيرة والسبب حالة من النظافة والنظام لم أرها منذ زمن بعيد، حيث أمر فى منطقة ميدان الدقى والجامعة ومحيطهما بصورة شبه يومية تقريبا.
أعرف هذه المنطقة جيدا، منذ خريف عام ١٩٨٢ حينما جئت من أسيوط، لأدخل سنة أولى بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، التى كانت وقتها تحتل الدور الرابع والأخير من مبنى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قبل أن تستقل لاحقا بمبنى خاص بجوار كلية دار العلوم. سكنت فى المدينة الجامعية حينا، وفى حى بين السرايات بعد التخرج حينا آخر، وكان الملمح الرئيسى لهذه المنطقة، هو الزحام والفوضى، بفعل المطاعم ومحلات تصوير المستندات وتجليد الكتب والملازم والرسم الهندسى، اضافة بالطبع إلى المنازل العشوائية، التى كان يتم تأجيرها غرفا مفروشة للطلاب.
صباح السبت كان المشهد حول جامعة القاهرة ومنطقة الدقى وبين السرايات مختلفا من كل النواحى.
الطرق المحيطة بالجامعة كانت كلها مرصوفة ونظيفة. لا توجد سيارة تركن على جانبى الطرق. الإنارة ساطعة وبيضاء وقوية، المرور منساب بطريقة نموذجية ورجال المرور ينتشرون فى كل مكان.
دخلت الجامعة، وكانت أرضيتها مرصوفة حديثا بشكل فاخر، وإشارات الطرق على افضل ما يكون. مبانى الجامعة تم تنظيفها، وربما إعادة طلاء بعضها، والزهور والورود فى كل مكان، اضافة إلى ان تنظيم المؤتمر نفسه كان ممتازا سواء من جانب شباب البرنامج الرئاسى أو إدارة جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت.
فى فترة الاستراحة عدت لبضع دقائق إلى جريدة «الشروق» فى الدقى. وسرت مترجلا فى شارع ثروت حتى شارع أحمد الزيات، برفقة الإعلامى والصديق محمد على خير. الشارع مرصوف كالحرير، ومنزل الدائرى من ناحية صفط اللبن باتجاه كلية التجارة أعيد ترميمه، بعد أن ظل لسنوات عصيا على الإصلاح. لم تكن هناك سيارة تركن على جانبى الطريق ايضا.
فى طريق عودتى للجامعة من شارع الدقى، كان الأمر متكررا. رجال المرور ينتشرون فى كل مكان. معظم المنشآت أعيد تنظيفها مثل مبنى كلية الفنون التطبيقية المجاورة لمعهد الإحصاء والمواجهة لحديقة الأورومان. كنت أركب سيارة تاكسى، وطلبت من السائق ان ينزلنى أمام المبنى الرئيسى للجامعة، لكن رجال المرور طبقوا القانون، وأمروا السائق بعدم التوقف. علما بأنه فى الأيام العادية يمكن للتاكسى أن يتوقف فى أى زمان ومكان سواء كان مطلع كوبرى أو حتى يسير عكسيا على الدائرى!
فى طريق خروجى ركبت مع سائق تاكسى آخر، وكان سؤاله المنطقى، لماذا لا يكون ما حدث فى هذا اليوم هو الأصل الدائم والمتكرر؟!
السائق سألنى أيضا: هل المطلوب من رئيس الجمهورية أن يزور كل المؤسسات والهيئات والوزارات، حتى تقوم بدورها وواجبها على أكمل وجه؟!
حتى وقت قريب كنت أعتقد أن عملية الإصلاح الشامل صعبة جدا، وتحتاج وقتا وجهدا ومالا، لكن فى بعض الحالات، كما حدث فى جامعة القاهرة يومى السبت والاحد الماضيين، تؤكد أن العامل المهم هو الإرادة. حينما أدركت الحكومة أن الرئيس وكبار المسئولين سوف يتواجدون فى المنطقة، حولوها بين عشية وضحاها إلى نموذج فاخر، فى النظام والنظافة، على غرار ما حدث فى فيلم المبدع الكبير الراحل أحمد رجب «الوزير جاى». هذا الأمر يعنى أننا قادرون على أن نكون منظمين ونظيفين إذا أردنا ذلك، وأصررنا عليه، وحتى لو كان الامر يتطلب مالا فى كثير من الاحيان، فيمكننا ان نحسن الامر اذا ادى كل منا واجبه من دون كسل أو تباطؤ.
السؤال ما الذى يمنع كل جهة أو هيئة أو مؤسسة أن تفعل ذلك؟!
هذا سؤال مركب وليس بسيطا، والبعض يعتقد أن الإرادة وحدها لا تكفى أو حتى توافر الاموال، لأن الجهاز الإدارى المصرى شديد الترهل. هو يستطيع أن يعمل بكفاءة لفترة قصيرة جدا فى حالات الطوارئ والضغط. لكن نفسه قصير جدا، ويحتاج تعليما وتدريبا وتأهيلا، وإعادة هيكلة فى مجالات متعددة، وليس الأمر قاصرا على وزارة أو مؤسسة بعينها.
لكن لماذا لا نجرب تكرار ما حدث فى جامعة القاهرة فى أكثر من مكان، فربما تكون هناك بارقة أمل، بأننا قادرون على النجاح، وأن نكون منظمين ونظيفين فهل ذلك مستحيل؟!