نشر الكاتب عماد الدين حسين مقال في صحيفة الشروق بعنوان ( ليس بالدعوات فقط تعود القدس ) جاء على النحو الآتي :-
مرة أخرى، فإن الدعوات وحدها لن تعيد القدس السليبة، الغضب وحده أيضا لن يعيد القدس، كذلك الغناء، أو صب اللعنات على إسرائيل ومن يقف خلفها!!!.
من بين ما يتم ترديده، واعتباره وكأنه من البديهيات القول بأن استمرار احتلال القدس يعود إلى أننا ابتعدنا عن الله، ولذلك فهو يعاقبنا. حسنا إذا كان الأمر كذلك، فهل عكس السؤال يكون صحيحا، أى بهذا المعنى فإن إسرائيل انتصرت ولا تزال تنتصر علينا لأنها قريبة من الله!!!!.
الدعاء وحده مهما كان طيبا لا يعيد القدس، ولا يحل القضايا إلا إذا كان مقترنا بالعمل الصالح والسليم والصحيح.
منذ عشرات السنين، والدعاة والخطباء والأئمة وسائر رجال الدين والدنيا يصبون كل لعناتهم على إسرائيل، ومن يقف وراءها. نسمع من هؤلاء قولهم: «اللهم عليك باليهود»، وأحيانا يضيفون عليها: «والنصارى»! لكن كما نعرف جميعا فإن دعواتنا لم تتحقق، بل إن أحوالنا صارت أكثر سوءا، فى حين أن الطرف الآخر يزداد قوة وتجبرا يوما بعد يوم، رغم إننا نقول دائما أن غضب الله عليهم مستمر حتى يوم القيامة.
العقلاء والعلماء الراسخون فى العلم، يقولون لنا دائما إن مقاييس النجاح والتفوق والانتصار فى الدنيا، تختلف تماما عن معايير الحساب يوم القيامة.
نسمع دائما عن الحكاية التى تقول: «عندما ينزل اثنان أحدهما متدين جدا، إلى البحر ولا يعرف السباحة، والآخر ملحد تماما ويجيد السباحة، فإن المؤمن يغرق، والملحد ينجو».
إذا لن ننتصر على إسرائيل ومن يدعمها بالدعوات أو الصلوات أو الأغانى، ولكن بامتلاك أسباب الانتصار.
يوم الجمعة الماضى كان المطرب محمد حماقى فى حفل غنائى بالشيخ زايد، ويبدو أن بعض الجماهير الحاضرة، طالبته بأداء بعض الأغانى الوطنية، بمناسبة قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فجاء رده المنطقى، إن الأغانى وحدها لن تعيد القدس.
السيدة العظيمة فيروز غنت للقدس، كما لم يغنى لها أحد آخر خصوصا «زهرة المدائن»، ونردد معها دائما «الغضب الساطع آت.. وأنا كلى إيمان» وهناك مئات الأغانى المماثلة فى المعنى لمطربين كثيرين، لكن كل هذه الأغانى لم تعد لنا القدس، ولن تعيد.
ليس معنى ذلك أن هذه الأغانى بلا قيمة بل مهمة جدا، ولها دور خطير فى شحن ورفع الروح المعنوية للجماهير، لكن بالطبع فإنها بمفردها لا يمكنها أن تؤدى وظيفة الإنتاج أو القتال أو العمل.
دور الخطيب أو الإمام أن يشحن المصلين والمؤمنين ويحمسهم للمعركة، ومن حق المطرب أن يوجج مشاعرهم الوطنية، ومن حق الشاعر أن يلهب المشاعر، ومن حق الكتاب والصحفيين أن يكتبوا أفضل وأشد المقالات قوة.. لكن مع كل التقدير لجميع هذه الشخصيات فكلها مهن مساعدة، ولا يمكنها أن تكون بديلا عن العمل الاصلى.
الذى يعيد القدس بجانب الإمام والشاعر والمطرب والممثل هو العمل الجاد فى كل المجالات.
لن تعود القدس وداعش يمرح ويتجول ويعيث فسادا ومنفذا لأجندة أشد الناس عداوة للعرب والمسلمين. لن تعود القدس ونحن نستود غالبية أسلحتنا من الولايات المتحدة، وكذلك أدويتنا وبعض غذائنا.
تعود القدس حينما نستطيع كعرب أن نبلغ مرحلة الفطام من الثدى الأمريكى.. تعود القدس حينما نكون قادرين على إنتاج أسلحتنا العربية، أو حتى قادرين على شرائها بعيدا عن أمريكا. تعود القدس بالطبع حينما نتصالح مع بعضنا البعض، ليس فقط بين الدول وبعضها البعض، ولكن بين أبناء الوطن الواحد، وأن تتوقف الخلافات كما هو الحال بين «فتح وحماس». تعود القدس، حينما نتكمن من دحر التنظيمات المتطرفة، التى سوف نكتشف يوما ما أن قادتها كانوا يعملون فى خدمة غالبية أجهزة المخابرات الدولية خصوصا «السى آى إيه» والموساد. تعود القدس حينما يكون هناك الحد الأدنى من الاستقرار والعدالة الاجتماعية والحد الأدنى من التعددية والشفافية الحريات العامة.