نشر الكاتب عماد الدين حسين بجريدة الشروق مقال بعنوان هل كان على صالح ملاكًا؟ جاء على النحو الآتي :-
هل كان على عبدالله صالح ملاكا ويفترض أن يحزن على مقتله اليمنيون والعرب؟!
الإجابة هى: لا، قطعا، مع استنكار جريمة القتل والتمثيل بالجثة، لكن السؤال الأهم هو :هل الحوثيون ــ الذين قتلوه هو وبعض أفراد أسرته ومرافقيه ظهر أمس الأول الإثنين على أطراف صنعاء ــ هم من الملائكة الذين يبغون خير اليمن وتقدمه؟!
الإجابة الأكثر قطعا هى أيضا: لا. الطرفان مجرمان فى حق اليمن، وقدما أسوأ صورة عن العرب والمسلمين، وللأسف الشديد فى زمن الاستقطاب الرهيب الذى نعيشه فى المنطقة العربية من سنوات طويلة فإن معظمنا لا يرى الأمور والقضايا والأزمات إلا من منظور الأبيض والأسود.
حتى وقت قريب مضى كانت العلاقات بين الحوثيين وعلى عبدالله صالح «سمنا على عسل»، والاثنان هما اللذان انقلبا على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، واجتاحوا صنعاء فى سبتمبر ٢٠١٥، ثم حاولوا السيطرة على كل اليمن. لكن لا يعني كل ذلك أن الطرف الآخر فى المعادلة وهو حكومة عبدربه هادى منصور، كانت تمثل كل اليمنيين أيضا.
سوف أسأل البعض مستنكرا: ما هذه «اللخبطة» التى تتحدث بها، وأين هو موقفك أو أين هى الحقيقة فيما يحدث هناك؟!
الإجابة أن هناك أكثر من حقيقة، وكل طرف لا يريد إلا أن يرى الأمور من منظوره الضيق، دون النظر بعين الاعتبار إلى بقية مكونات الشعب اليمنى. هذه المكونات التى اختلطت فيها عوامل القبلية بالطائفية والمذهبية، مع عادات وتقاليد قديمة تصطدم مع الحداثة. وإذا أضفنا إلى كل ذلك الصراع الإقليمى على اليمن، خصوصا من إيران والسعودية، فسوف نعرف لماذا تعقدت المشكلة أكثر، بما يجعل مقولة على عبدالله صالح عن حكم اليمن بأنه مثل «الرقص فوق رءوس الأفاعى» صحيحة، مليونا فى المائة، لكن المفارقة أنه وعلى الرغم من مهارته فى الرقص بهذه الطريقة، فإن أحد الثعابين تمكن من لدغه اللدغة القاتلة على بعد أربعين كيلومترا من صنعاء، عندما كان يحاول الفرار إلى مسقط رأسه فى محافظة سنحان، ليقود الانقلاب على حلفائه الحوثيين.
هل مقتل صالح بهذه الطريقة، يعنى أن الحوثيين وخلفهم إيران قد سجلوا هدفا قاتلا، وحسموا الأمر لصالحهم؟!
قد يكونون بعثوا برسالة قاتلة لكل من يفكر فى الانقلاب عليهم، وكذلك إلى أسرة صالح وأنصاره، لكن هؤلاء الأنصار يعتقدون أن الحوثيين ارتكبوا أسوأ أخطائهم، و«شربوا سما زعافا، سيقود إلى قتلهم قريبا».
النقطة الجوهرية، أنه إذا كنت تتفق أو تختلف مع السعودية ودول التحالف، وحربها ضد الحوثيين، انتصارا للشرعية، أو حتى إذا كنت تدين بعض العمليات الحربية التى أدت إلى كوارث إنسانية غير مسبوقة، فإنه لا يمكن إنكار حق السعودية والإمارات وبقية بلدان الخليج فى عدم السماح لإيران بأن تتحول إلى الحاكم الفعلى لليمن، بحيث تنطلق من هناك لتغيير الخريطة السياسية وللمنطقة بأكملها، ومحاصرتها بصورة خانقة.
وعندما نضع هذا العامل، بجوار التمدد الإيرانى فى العراق وسوريا ولبنان، سوف ندرك خطورة الطريقة التى تتصرف بها إيران فى المنطقة.
يقول البعض أن إيران تتصدى للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية «أو الشيطان الأكبر والأصغر». قد يكون ذلك صحيحا، حينما دعمت حزب الله فى اللحظة التى قاتل فيها إسرائيل وانتصر عليها، ووقف كل العرب أو غالبيتهم خلفه، وهتفوا له ولزعيمه حسن نصر الله. لكن للأسف الشديد، فإن غالبية المواقف الإيرانية الراهنة، هى مواقف طائفية مذهبية. وتقديرى أنها تسعى لتحقيق أهداف ومصالح سياسية قومية فارسية، عبر استغلال الورقة المذهبية الشيعية. والمأساة الأكبر أن بعضنا فى المنطقة يساعد إيران من دون أن يقصد ــ حينما يطالب بالحشد المذهبى السنى ضدها. الأمر الذى لا يفيد إلا إسرائيل وكل المتطرفين والظلاميين الذين يعتقدون أن الحياة تبدأ وتنتهى بالحروب بين المذاهب والطوائف والأديان. لأنهم لا يستطيعون المنافسة فى التعليم والابتكار والتكنولوجيا!.