آراء أخرىعاجل

مقال للكاتبة دينا عبدالفتاح تحت عنوان : ( للرابحين فقط ) !

عالم جديد بدأت تتشكل ملامحه وتتضح بقوة للجميع، فالمعطيات التى كانت سائدة الأمس واليوم على الساحة الدولية باتت فى خبر كان، ولن تحكم الغد الذى ننتظر ظهور معطيات جديدة له تعيد رسم الصورة، بريطانيا ستنفصل لا محالة عن الاتحاد الأوروبى ولن تفلح محاولات إثنائها عن قرارها، الصين لن ترضى طويلاً بدور ثانوى أو القيام بدور الوصيف على الساحة الدولية وستتحرك حتماً لتلعب دور موازى لدور الولايات المتحدة التى ظلت القوة العظمى فى العالم لعقود، تجمع «بيركس» سيسعى للعب دور موازى لدور الاتحاد الأوربى، وبالفعل بدأ فى اطلاق مؤسسات اقتصادية دولية تقوم بدور موازى لدور صندوق النقد والبنك الدوليين واللذان يخضعا بشكل أو بآخر للوصاية الأمريكية والأوروبية.

قطر تواصل استفزازها للدول الخليجية ولم ترضخ لمطالبهم، بما ينذر بمشاكل تتعلق بمستقبل الوحدة والتكامل الخليجى، السعودية بدأت تنفيذ حملة حقيقية لتصويب الكثير من الأوضاع المختلة، وإنهاء سياسة «المسكوت عنه»، بينما إيران لا تزال تطمح فى دور أكبر وبناء عالم إسلامى جديد تنتصر فيه للتشيع، أما كوريا الشمالية فتصعد بصواريخها الفتاكة بين الحين والآخر إلى أعالى الجبال مهددة بتحويل العالم إلى «كوم تراب» لو لم تحترم الولايات المتحدة والدول الحليفة رغبتها وحقها فى امتلاك سلاح نووى، فى حين تستمر الحرب فى سوريا وسط خلاف روسى أمريكى لم تظهر بعد بوادر لإنهاءه.

المجتمع الدولى أصبح أكثر ديناميكية، والتغيرات الهيكلية التى يشهدها فاقمت من أزمة الاقتصاد العالمى، فحلم الدول الفقيرة فى التنمية بات فى غاية الصعوبة، وحلم العالم فى استدامة الموارد بات شبه مستحيل، بسبب الزيادات السكانية وعدم الاستخدام المنظم للموارد سواء كانت متجددة أو غير متجددة.

الساحة الدولية ستشهد ظهور لاعبين جدد بأفكار وأدوات مختلفة، الهند مقبلة بأحلام غاندى، ويساعدها فى ذلك صعودها الاقتصادى السريع، بينما البرازيل بدأت فى رسم دور جديد ليس لها فحسب، وإنما لتجمع «الميركسور» ولأمريكا اللاتينية بشكل عام، مصر باتت أقوى وانتزعت من جنوب إفريقيا مؤشرات القيادة الاقتصادية فى القارة السمراء، واستعادت كذلك جوانب كثيرة من دورها الريادى فى منطقة الشرق الأوسط، بما يشعل من «غيرة» القطريين والأتراك، والإيرانيين، ويدفعهم بقوة للعب على الوتر الإثيوبى وقضية سد النهضة.

هذا الحراك الشديد يفرض على جميع الدول إعادة النظر فى شكل وطبيعة منظومة علاقاتها الخارجية، ويبدو أن مصر فطنت لكل هذه المتغيرات باكراً، وتسلحت برؤية ثاقبة للوضع الدولى المحتمل، فرؤية 2030 أعلنت صراحة الميل فى العلاقات الخارجية للمعسكر الشرقى الذى تقوده روسيا والصين على حساب المعسكر الأمريكى، واختارت بريطانيا وألمانيا وفرنسا كمحاور ارتكاز للعلاقات المصرية مع قارة أوروبا، بينما استهدفت الانضمام لتجمع «بيركس» الصاعد صعود الصاروخ خلال 5 أعوام، وكل هذه العوامل تعنى بعد النظر لمن ساهموا فى صياغة هذه الرؤية طويلة المدى.

القيادة السياسية فى مصر ورئيسها بالتحديد أظهرا كفاءة كبيرة فى إدارة الملف الخارجى، فلم تخسر مصر عالمياً إلا الدول التى قرر الجميع أن يلفظها، سواء قطر أو تركيا أو ما شابه، وهنا أشيد بالموقف المصرى الداعم لجهود المملكة العربية السعودية فى تصويب الاختلالات، ومحاربة الفساد، من خلال أفكار مستنيرة يقودها الملك سلمان بن عبد العزيز، وولى العهد محمد بن سلمان الذى جاء بأفكار جديدة لبناء دولة عصرية على أرض المملكة المُصدر الأول للذهب الأسود على مستوى العالم.

وعلى الرغم من تداعيات هذه الحملة السعودية الشرسة على الاقتصاد السعودى إلا أنها ستؤثر بشكل كبير فى شكل وبنية المستقبل، وفى المعطيات التى ستنطلق منها السعودية لتجربة تنموية حقيقية لا تقوم على ما احتفظت به الأرض، وإنما ستقوم على ما يصنعه السعوديون أنفسهم، وإخوانهم العرب بشكل عام والمصريين بشكل خاص إلى جوارهم!

الرؤية الثاقبة للحكومة المصرية فى الملف الخارجى تحتاج لمن يدعمها ويقف إلى جوارها من كل أبناء المجتمع، فعلينا جميعاً أن نتحرك لتحقيق هدف واحد، وهو مساعدة مصر فى تحقيق الاستفادة المثلى من التغيرات التى تشهدها الساحة الدولية حالياً، وخاصة الخروج المحتمل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى ظل حاجة لندن لإعادة رسم خريطة حلفائها فى الخارج، فمصر اليوم تصلح بلا شك لأن تكون الحليف الأكبر لبريطانيا فى إفريقيا والشرق الأوسط.

وهذا الأمر يتطلب تحرك مزدوج بين الحكومة التى لم تتكاسل صراحة فى أداء دورها الدبلوماسى، والتفاوضى لبناء إطار تعاقدى قوى مع لندن حالياً، وبين مجتمع الأعمال الخاص الذى اجتهد هو الآخر وأطلق خلال الأسبوع الماضى واحدة من أنجح بعثاته لطرق أبواب المملكة المتحدة وإطلاعها على ما يحدث فى مصر، ومدى التقدم الذى تشهده الدولة ليس على صعيد مؤشرات الاقتصاد والانتاج والنمو فحسب، وإنما على مستويات تمكين الشباب والمرأة ومجاراة المستجدات التكنولوجية عالمياً، بما يؤهلنا بالفعل لأن نكون حليفا ناجحا لخامس أكبر اقتصاد فى العالم، والقوة العظمى التى حكمت العالم لقرون طويلة قبل ظهور العملاق الأمريكى.

فهذه البعثة أثبتت أن إطلاق بعثات شبيهة ومماثلة للبلدان المستهدفة فى منظومة العلاقات الخارجية أصبح أمراً ضرورياً بل واجب على مجتمع الأعمال المصرى الذى يرغب فى مساندة دولته فى مرحلة حرجة يمر بها العالم أجمع، ويعاد خلالها نسج خيوط العلاقات الدولية، وتشكيل تحالفات جديدة، بتوجهات جديدة أيضاً، ترسم مستقبل أفضل للرابحين فقط!

زر الذهاب إلى الأعلى