نشر موقع صدى البلد مقال للواء عبد الحميد خيرت بعنوان مصر و”حماس” والمصالحة الفلسطينية.. تساؤلات مشروعة.! جاء فيه الآتي :-
لم يكن مشهد المصالحة الفلسطينية “المبدئي” واجتماع حكومة الوفاق في قلب غزة، بحضور رئيس المخابرات المصرية، إلا تعبيرًا واضحًا عن حقيقة ميزان القوى الذي بدأ يتبلور مؤخرًا، واعترافًا صريحًا من جميع القوى، الفلسطينية ـ وعلى رأسها حركة حماس ـ والإقليمية بحقيقة الدور المصري وريادته، واستعادة هذا الدور بعد سلسلة الضربات القاسية التي تعرضت لها الدول التي تدعم الإرهاب بالشرق الأوسط، وعلى رأسها قطر.
وبعيدًا عن عبارات النصر أو الهزيمة، التي سادت ردود الأفعال، خاصة ما يتعلق بموقف حركة حماس التي يبدو أنها اقتنعت أخيرًا بأن موازين القوى الإقليمية ليست في صالحها، بعد 10 سنوات من الانقلاب على السلطة في قطاع غزة، لذا أضطرت لتعديل سلوكياتها كنوع من “التقية” السياسية المعروفة في كل تيارات الإسلام السياسي، لذا أعتقد أن كل من يتوهم أن الحركة تخلت بسهولة عن “حمَّامها القديم” وهو ارتباطها الأيديولوجي بجماعة الإخوان الإرهابية، سيكون مخطيء تمامًا لعدة أسباب: أولها أن ما حدث من توافق فلسطيني لا يزال قيد التجربة على الأرض، وثانيها أن الحركة لن تقبل ببساطة اعتبارها “ميتة” إكلينيكيًا، بل ستحاول عبر فرص أخرى إثبات أنها لا زالت على قيد الحياة، وثالثها أن ارتباطها بالتنظيم الدولي لم يتم تفكيكه عمليًا ومنهجيًا، والأهم أنها لا زالت في نظر كثيرين دوليًا وإقليميًا حركة إرهابية، بل متهمة قضائيًا في مصر بالقتل والتهريب واختطاف عناصر أمن، إضافة لفتح السجون وتهديد الأمن القومي المصري.. منذ يناير 2011.
أفهم استغراب الكثيرين وردود أفعالهم جراء المشهد الأبرز في الأيام الماضية، وهو انعقاد حكومة التوافق الفلسطينية في قلب قطاع غزة، وبحضور مباشر من رئيس المخابرات العامة شخصيًا، وربما يبحث البعض عن إجابة للسؤال التقليدي: كيف تشارك مصر مع حماس وهي لا تزال في نظر القضاء المصري حركة إرهابية.؟ وهل تثق القيادة المصرية في السلوك الحمساوي بعد كل هذا التورط المباشر وغير المباشر في الأمن المصري.؟ وهل يمكن لنا كشعب أن نأمن لهذه الحركة ونثق في أن صور الرئيس السيسي التي ارتفعت في غزة تعبير حقيقي عن التقدير للدور المصري والرئيس شخصيًا بعدما كان القطاع مسرحًا للخداع عبر صور مرسي وتظاهرات بإشارة رابعة؟.
ما سبق تساؤل مشروع ومستحق طبعًا، ولذا أعتقد أن ما يجري من رعاية مصرية ليس ثقة في الحركة بقدر ما هو اختبار أخير لها وطوق نجاة في نفس الوقت عبر نظرية الاحتواء المزدوج، والأهم في رأيي أن حماس تورطت بشكل مباشر بما لا يمكن التراجع عنه، وقبولها لعودة القطاع لسيطرة الحكومة الفلسطينية، يعني أنها ليست مستعدة لدفع ثمن أي فشل مستقبلي تتسبب فيه، فهذا معناه إنهاؤها بأي شكل، وهذا قبول “مفخخ” اضطرت له الحركة، يذكرنا بدعوة القوات المسلحة لجميع الأطراف (بما فيها جماعة الإخوان) بالجلوس والبحث عن حل للمأزق السياسي عقب ثورة 30 يونيو، وهو ما وضع الجماعة في مأزق وجودي، لأن قبوله يعني اعتراف بما أنكرته وتجاهلته، أما رفضه فيعني تعريتها تمامًا.. والنتيجة واحدة في الحالين.. التنحية عن المشهد، وهو ما لا تتصوره حماس حتى الآن.!
وهنا لا نستغرب الرعاية المصرية، ومد اليد للحركة سياسيًا لا يعني بالضرورة “تبييض” صفحتها من كل الجرائم في ملفها المعروف، ولكنه يعني منحها ضوءًا في آخر النفق للخروج من مأزقها الراهن الذي هو مأزق القضية والشعب الفلسطيني بالأساس.
ربما يكون تغيير جلدها عبر قيادة جديدة محاولة أخيرة لتنقيح صورتها، وربما يكون قبولها بحل لجنتها الإدارية في غزة خطوة أولى لذلك، وربما يكون تعاونها مع مصر الراعية إجراء تكتيكي يقطع علاقاتها مع الدولتين الراعيتين للإرهاب في الشرق الأوسط (إيران وتركيا) بعد توفير غطاءٍ سياسي آمن وحقيقي، ولكن يبقى صراع الحركة الراهن هو الصراع الوجودي الأخطر لها منذ تأسيسها، لأنه معروف بديهيًا أن “الترس” الذي لا يستجيب للحركة مع دوران الآلة، سيتم استبعاده وتغييره تمامًا.. وعجلة التغيير في الشرق الأوسط تتم إدارتها بهدوء وبشكل أو بآخر، ولا مكان فيها لأي “تروس” غير صالحة… الإخوان وقطر.. مثالا وعبرة.!