تحمل النزاعات المسلحة آثارا اقتصادية واجتماعية خطيرة، فاقتصاديا تؤدي إلى إعاقة حركة التنمية بسبب هروب الاستثمارات الداخلية ومنع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الدولة محل النزاع نظرا لإمكانية تدمير المنشآت الاقتصادية وتدمير البنية الأساسية اللازمة لتطوير العمليات الاقتصادية داخل الدولة، بالإضافة إلى خلق أعباء جديدة تتمثل في عمليات الإغاثة اللازمة لضحايا هذه النزاعات.
واجتماعيًا تترك النزاعات المسلحة العديد من الآثار على الظروف المعيشية وخاصة آثارها على دخل الأسرة والبطالة، وما تتركه هذه النزاعات على الظروف الصحية والتعليمية للأسرة وما يطرأ على الأسرة من تغيير في الأدوار وخاصة دور المرأة، وكذلك ما تعانيه الأسرة من آثار وخاصة تراجع مستوى الدخل وتقطع سبل المعيشة وارتفاع معدلات البطالة وتراجع المستويات الصحية والتعليمية للأسرة وآثارها على المجتمع بشكل عام من خلال مؤشرات التنمية البشرية وغيرها من المقاييس.
كما تشكل الصدمات المناخية وتغير المناخ أحد أهم الأخطار التي تواجه البشرية في الوقت الراهن، وإذا لم يتخذ العالم إجراءات فاعلة حيالها، فإن كوكب الأرض معرض لارتفاع درجة حرارته بشكل يؤدي إلى وقوع كوارث متنوعة من شأنها أن تتسبب في تراجع مكاسب التنمية عقودًا إلى الوراء.
وتشير تقارير “البنك الدولي” إلى أن درجة حرارة الأرض قد ترتفع أربع درجات مئوية في نهاية القرن الحالي، الأمر الذي ستنتج منه آثار مدمرة على الزراعة والموارد المائية وصحة البشر، وسيكون الفقراء أشد المتضررين من هذه الآثار، التي لن تستثني أيا من مناطق العالم.
تزايد الجوع في العالم
قدرت الأمم المتحدة في تقرير لها مؤخرًا بعنوان “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2017” أن 615 مليون شخص يعانون من الجوع، وأن ملايين الأطفال معرضون للإصابة بسوء التغذية، وأن معدل الجوع في العالم بدأ في الارتفاع مجددًا ليؤثر في 815 مليون شخص عام 2016، أو 11 في المئة من سكان العالم، بعدما شهد انخفاضًا مضطردًا خلال العقد الماضي.
وأفاد تقرير الأمم المتحدة في نسخته السنوية، بأن أشكالا متعددة من سوء التغذية باتت تهدد صحة الملايين في أنحاء العالم، وأن عدد الأشخاص المتأثرين بالجوع زاد 38 مليونا مقارنة بعام 2015، نتيجة انتشار النزاعات المسلحة والصدمات المناخية.
وأشار إلى أن 520 مليون شخص يعانون الجوع في آسيا، وحوالى 243 مليونا في أميركا اللاتينية، إضافة الى 42 مليون شخص في أميركا اللاتينية والكاريبي. وأن نسبة الجياع في العالم هي 11 في المئة كمعدل عام، وتبلغ 11.7 في المئة في آسيا، و20 في المئة في أفريقيا، و6.6 في أميركا اللاتينية والكاريبي.
ويعتبر التقرير أول تقويم عالمي تنشره الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي والتغذية، بعد تبني “أجندة أهداف التنمية المستدامة «2030» التي تهدف إلى القضاء على الجوع وكل أشكال سوء التغذية بحلول عام 2030 ووضع ذلك على أولويات السياسات العالمية. وأوضح التقرير أن النزاع الذي يفاقمه التغير المناخي، هو أحد الأسباب الرئيسة وراء الزيادة الجديدة في معدلات الجوع وأشكال سوء التغذية.
وأكد تقرير الأمم المتحدة أن موجات الجفاف أو الفيضانات المرتبطة بظاهرة النينو المناخية، إضافة إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، أدت إلى تدهور أمن الغذاء والتغذية.
وأشار التقرير إلى أن 155 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم وأن الأطفال المتقزمين الذين يعيشون في دول متأثرة بمستويات مختلفة من النزاع عددهم 122 مليونًا..أما الأطفال دون الخامسة المصابون بالهزال فيبلغ عددهم 52 مليونًا.
وبين التقرير أن من بين 815 مليون شخص يعانون من الجوع، يبلغ عدد من يعيشون في مناطق النزاع 489 مليونًا، وأن نسبة انتشار الجوع في الدول المتأثرة بالنزاعات ترتفع عن نسبة انتشاره في الدول الأخرى بنسبة تتراوح بين 1.4 و4.4 في المئة.
كما تزيد نسبة انتشار الجوع في الدول التي تعاني من هشاشة مؤسساتية أو بيئية بنسبة تتراوح ما بين 11 و18 في المئة.
والأشخاص الذين يعيشون في دول تعاني من أزمات طويلة أكثر عرضة للإصابة بنقص التغذية بمرتين ونصف مرة مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في دول أخرى.
يعكس هذا التقرير الأممي جهود وتكامل المؤسسات الدولية، باعتبار أن هذه هي المرة الأولى تنضم فيها منظمة “يونيسيف” ومنظمة الصحة العالمية إلى منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الغذاء العالمي، في إعداد تقرير “حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم”.
ويعكس هذا التغيير النظرة الواسعة لأجندة أهداف التنمية المستدامة للجوع وكل أشكال سوء التغذية، ويركز عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل التغذية، الذي وضعته الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على هذه الجهود من خلال تشجيع الحكومات على وضع أهداف والاستثمار في إجراءات لمعالجة الأبعاد المتعددة لسوء التغذية.