“لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد” .. منذ أن كنا صغارًا وهذه الحكمة تتردد على مسامعنا، وربما لم نكن ندرك حينها مدى أهميتها في حياتنا على كافة المستويات، ومدى أهميتها في ديننا، حتى أن عدم اتباعها وركون الإنسان إلى التسويف وتأجيل الأعمال الصالحة والطاعات قد يكون مدخلًا من مداخل الشيطان الرجيم إلى الإنسان.
والتسويف كما قال سادتنا من أئمة التصوف وتزكية النفوس يعد من أمراض القلوب التي يصيب العبد، فتفتر همته ويظل يؤجل في الطاعات، بل حتى في الفرائص حتى يضيعها، فإذا ما هم العبد بأداء الصلاة يوسوس له الشيطان الرجيم بأن يؤجلها قليلًا حتى ينتهي من مشاهدة برنامج أو مسلسل تفلزيوني أو حتى يؤدي عمل أخر فيسرقه الوقت ولا يدرك الصلاة.
لذا فقد نبهنا الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن نسد هذا المدخل على الشيطان ولا نلجأ للتسويف فقال: “بادروا بالأعمال الصالحة سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيًا, أو غنىً مطغيًا, أو مرضًا مفسدًا, أو هرمًا مفندًا, أو موتًا مجهزًا, أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة فالساعة أدهى وأمر”.
وقال كذلك صلى الله عليه وآله وسلم: “اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك”.
لأن الإنسان لا يعلم الغيب ولا يعرف متى يأتي الأجل، أو متى تزول عنه الصحة، فيظل الشيطان يوسوس له بتسويف الفرائض والطاعات حتى يصيبه المرض أو يأتيه الأجل، وحينها لن يتسطيع أداء ما عليه من حقوق،
فالإنسان كلما همت نفسه وعزم على أداء الفرائض أو فعل الخيرات، وسوس له الشيطان فأعاقها بالتسويف، فيقول لنفيه “غدًا سوف أفعل كذا، حتى يصيبه المرض أو الكبر، أو يأتيه الأجل، وحينها لا رجوع، يقول تعالى واصفًا هذا الحال: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
ومن أخطر أنواع التسويف تأجيل التوبة وتسويفها، فيقع العبد في المعاصي ويقول غدًا أتوب، لا زلت صغيرًا، وهي من أخطر مداخل الشيطان للإنسان، يقول تعالى واصفًا الشيطان وفعله ببني آدم: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}. وبذلك ينسيهم الشيطان الموت والآخرة، ويلهيهم بمتاع الدنيا فيلجأوا للتسويف ظنًا أن العمر طويلًا فيأمن مكر الله حتى يفاجأ بالموت.
والتسويف كما قال أهل الله من جنود الشيطان، ولذا قال سيدي الإمام ابن عطاء الله السكندري في حكمه: “إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس”. وفي شرح تلك الحكمة الجميلة يقول الإمام عبد المجيد الشرنوبي الأزهري: “أي إحالتك – أيها المريد – الأعمال الصالحة على وجود الفراغ من أشغال الدنيا تعد من رعونات النفس أي حماقتها لما في ذلك من إيثار الدنيا على الآخرة وأشغال الدنيا لا تنقضي، فما قضى أحد منها لُبانته ولا انتهى أرب إلا إلى أرَب”.