لعل الحدث الأبرز في حفل توزيع جوائز الاوسكار ال89، والذي ظل عالقا في الاذهان حتي هذه اللحظة، هو الخطأ الذي حدث أثناء إعلان جائزة الاوسكار لأفضل فيلم سينمائي، فبعد أن صعد الممثل وارن بيتي والممثلة القديرة فاي دوناواي لإعلان أن الفيلم الفائز بالاوسكار هو فيلم “لالا لاند”، ليشتعل مسرح دولبي بالصراخات وتمتلئ جنباته بالتصفيق الحار لصناع الفيلم ليتبين بعد ذلك فوز فيلم مون لايت بأوسكار أفضل فيلم.
مون لايت دخل قائمة الافلام التي تفوز بالاوسكار ذات التكلفة الانتاجية المنخفضة، فقد تكلفت ميزانية العمل فقط خمس ملايين دولار، وهو مبلغ ضئيل حقا مقارنة بحجم الفيلم، حيث يعد مون لايت هو ثاني فيلم ذات تكلفة منخفضة في تاريخ الاوسكار يفوز بالجائزة، في حين أن صاحب المركز الاول هو فيلم « مارتي »، والذي فاز بالاوسكار سنة1955 كأفضل فيلم بالاضافة إلى ثلاث جوائز أخري، حيث تكلف إنتاج هذا الفيلم فقط 350 ألف دولار، وأيضا مخرج الفيلم باري جينكينز لم يستطع أن يحصد جائزة أفضل مخرج، ولكنه بالطبع فاز بجائزة الاوسكار كأفضل سيناريو معدل، بمشاركة مؤلف العمل تاريل ماكرني.
و لعل كانت أحد عوامل نجاح الفيلم هو النص ذاته، فالفكرة ليست معقدة كثيرا ولكنها عميقة ومؤثرة، تشعر للحظة ما أنك تعرف ذلك الطفل شايرون، أو مررت بما يمر به، أو شاهدت شخصية مثله أثناء طفولتك، وتدرج الاحداث بحبكة الفيلم الرئيسية جاءت سلسة للغاية حتي لا تشعر المشاهد بأي ملل أو رتابة، فحاول ماكرني أن يسلط الضوء على بعض مشاكل مجتمعه من أصحاب البشرة السمراء، وحاول جينكينز من خلال السيناريو أن يشير إلى مشاكل ماكرني في النص من خلال الصورة، فشخصيات الفيلم هي شخصيات ضعيفة ومشوهه تحاول أن تبسط سيطرة هي ليست أهل لها على شخصيات أخري أضعف منها، ليصب ذلك في الاخير عند شخصية شايرون، والتي تدفع ضريبة هذا التشويه طوال الفيلم، فشايرون مطارد منذ بداية الفيلم من مجموعة من الأطفال معه في المدرسة لمحاولة مضايقته بسبب أنعزاله ووحدته وعدم قدرته علي مجاراة من مثله من الصبية، ليجد نفسه في الاخير بين احضان تاجر المخدرات جوان، الذي يحاول أن يقوم بتربيته بدلا من امه المنغرسة في شهواتها سواء أكانت المخدرات أو الجنس، مما دفع الطفل شايرون لسؤال جوان.. هل انتا تاجر مخدرات ؟.. ليجد جوان نفسه في موقف به الكثير من المأساة، ويجيب نعم.. ليكمل الطفل جلداته لجوان ويسأله…. هل أيضا تبيع المخدرات لأمي ؟.. فيظهر لنا جينكينز بصورة رائعة حالة الصدمة التي وقعت علي جوان، ليضطر بعدها شايرون للمغادرة وسط هذا الكم من الزيف، فبالرغم من أن جوان تاجر مخدرات ولكنه بحاول السيطرة على شايرون بحجة أن والدته غير أهل بتربيته، وفي نفس الوقت هو أيضا نفس الشخص الذي يبيع لها المخدرات، وأمه تحاول أن تفرض عليه دور الامومة بقوة علي الرغم أنها لم تقدم ما يثبت جدرانها بأمومته، ولكنها تحاول طوال الفيلم أن تؤكد عليه.. أنا أمك.. أنا والدتك، وأخيرا الشارع الممثل في زملائه في المدرسة، والذين يحاولون بسط سيطرة عليه أيضا نظرا لضعفه، ليجد شايرون أنه لا مفر له من الجحيم، سواء في المنزل مع والدته، أو مع جوان تاجر المخدرات، أو في الشارع ليتم ضربه وطرحه أرضا، لنجد نفسنا في الفصل الثالث والاخير من الفيلم امام تاجر مخدرات يدعي شايرون، وقد تتحرر أخيرا من ضعفه وقلة حيلته ليصبح ما هو عليه، وسط لمحات عتاب من صديق طفولته، حين يخبره ليس أنت ما أنت عليه، فالفيلم رائع جدير فعلا بالمشاهدة، وكما نقول في بعض الاحيان أن النص هو بطل العمل، فقد استحق الفيلم وبجدارة لقب الأوسكار هذا العام.