«نيويورك تايمز»: رؤساء أمريكا معتادون على الكذب.. وترامب أكثرهم كذبًا
كثيرًا ما ينصح المستشار السياسي الجمهوري وايت أيرس، زبائنه أنه هناك ثلاثة مفاتيح للحفاظ على مصداقيتك وهي "لا تدافع عن أي شىء لا يمكن الدفاع عنه، ولا تنكر ما لا يمكن إنكاره، ولا تكذب".
حيث أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إلى أن الافتراءات هي أمر معتاد عليه في المطبخ السياسي الأمريكي، فالسياسيون يكذبون لتجميل سيرهم الذاتية، وإخفاء عيوبهم، كما يستخدمون معلومات خاطئة لتبرير قراراتهم السياسية.
إلا أن العديد من السياسيين والمحللين يرون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل ما وصفه الكاتب هانا أريندت "الصراع بين الحقيقة والسياسة" لمستوى آخر تمامًا.
فبداية من ادعائه أن الرئيس السابق باراك أوباما مولود في كينيا، مرورًا بالأرقام المبالغ فيها عن الحاضرين في حفل تنصيبه، وصولًا إلى ما ادعاه الأسبوع الماضي من تلقيه محادثتين هاتفيين من الرئيس المكسيكي، وآخر من رئيس الكشافة الأمريكية، وهو لم يحدث، فيبدو أن ترامب يصرح بأمور كاذبة ومبالغ فيها ومشوهة يوميًا.
وبشكل جزئي لا يشير هذا فقط إلى الطريقة التي يدير بيها ترامب حكومته، ولكن يعكس أيضًا الانحدار الكبير في معايير الحقيقة في الخطاب السياسي، فبالنظر للسياسيين على مدار الخمسين سنة الماضية، نرى بوضوح أن كذب الرؤساء الأمريكيين لم يبدأ عند ترامب.
ومن أبرز أكاذيب الرؤساء الأمريكيين، والتي تم اكتشافها سريعًا، كذب الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، بخصوص سقوط طائرة تجسس أمريكية في الاتحاد السوفيتي عام 1960، حيث ادعي حينها أنها طائرة استطلاع الطقس، إلا أنه بعد إعلان الروس تمكنهم من أسر الطيار حيًا، اضطر أيزنهاور لإعلان الحقيقة.
حيث أكدت المؤرخة دوريس كيرنز جودوين أن الواقعة أثرت على أيزنهاور على المدى القصير، حيث فشل لقائه مع القائد السوفييتي نيكيتا خروتشوف، إلا أن الشعب سامحه بعدها، لاعترافه بخطئه.
وفي 1972 اتهم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بالكذب خلال فضيحة "ووترجيت"، كما تم اتهامه بإعاقة سير العدالة وإساءة استخدام دائرة إيرادات الداخلية، وغيرها من الوكالات، ما اضطره للاستقالة في النهاية.
كما اتهم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بالإدلاء بشهادة زور وإعاقة العدالة خلال تحقيق رسمي، في محاولة منه لإخفاء علاقته مع مونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض.
وأضافت الصحيفة أنه أحيانًا من الأسهل تسمية الكذب "معلومات خاطئة" في إشارة إلى اتهام الرئيس الأمريكي جورج بوش وعدد من أعضاء حكومته بالاعتماد على معلومات استخباراتية "غير حقيقية" بامتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، نتج عنها دخول الولايات المتحدة حرب العراق.
وعلى مدار العقدين الماضيين تسببت التغيرات المؤسسية في السياسة الأمريكية، في تسهيل كذب المسؤولين الأمريكيين، فزيادة البرامج الحوارية السياسية في التلفزيون، وظهور الإنترنت، خلقا بيئة إعلامية مفتتة، سهلت مهمة السياسيين في تشويه الحقيقة.
ومع ظهور مواقع التدقيق على شبكة الإنترنت، أصبح السياسيون أكثر محاسبة على تصريحاتهم، ففي عام 2013 أعلن موقع "بوليتي فاكت" فوز أوباما بلقب "كذبة العام" بسبب تصريحه بخصوص برنامج الرعاية الصحية "أوباما كير".
وأجرى مركز بحثي تابع لـ"نيويورك تايمز" تجربة، حيث تم عرض عدد من الادعاءات الكاذبة لترامب لعدد من المصوتين، بينما تم عرض نفس الادعاءات لمجموعة أخرى مصحوبة بمعلومات تصحيحية والتي تتعارض مع تصريحات ترامب.
وانتهت التجربة إلى أن المجموعة التي شاهدت المعلومات التصحيحية صدقتها، إلا أنها لم تغير وجهة نظرها نحو ترامب.
وأشار جون ويفر سياسي جمهوري، إلى أن العديد من أكاذيب ترامب تافهة، وتهدف لإرضاء غروره، وعلى سبيل المثال حين ادعى أنه حطم الرقم القياسي في تاريخ مجلة "التايم" في عدد مرات ظهوره على غلافها.
إلا أن عددا من الأكاذيب الأخرى قد تكون أكثر خطورة، مثل ادعاء ترامب قيام الملايين من المهاجرين غير المسجلين في دفاتر الناخبين التصويت لصالح منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الماضية، ويرجع خطورة تلك الكذبة إلى أنه من الممكن أن تتبنى إدارته سياسات معينة بخصوص تلك الكذبة.
ويكمن الاختلاف الكبير بين ترامب والرؤساء السابقين في الكم الهائل من الأكاذيب والمبالغات التي يصرح بها ترامب، حيث كشف مؤشر "بوليتي فاكت" أن 20% فقط من تصريحات ترامب هي تصريحات صحيحة.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن المؤرخة دوريس كيرنز جودوين أن "الأمر المختلف والمخيف اليوم، هو أن تلك الأكاذيب يتم الإشارة إليها بوضوح، وهناك أدلة واضحة على كونها خاطئة، وعلى الرغم من ذلك قد يتسبب الهجوم على وسائل الإعلام في قيام نسبة من المواطنين باعتقاد شعاره "من المحتمل أنه يقول الحقيقة".