بعد أيام من انتشار رواية عراقية حول إصابته بمرض سرطان الرئة، ظهرت مفاجأة جديدة مفادها أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، لم يعد مختبئا في العراق أو سوريا، وإنما في ولاية ننجرهار في شرق أفغانستان، على الحدود مع باكستان، التي أسس فيها فرع داعش هناك ما سماها “ولاية خراسان”.
ونسبت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، إلى مصادر أمنية باكستانية، قولها الأحد الموافق 23 سبتمبر، إن البغدادي انتقل إلى ننجرهار في أفغانستان بعد عبوره الأراضي الإيرانية، مرورا بمدينة زاهدان في شرق إيران، بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني.
وأضافت المصادر ذاتها، أن المئات من عناصر داعش وصلوا إلى ننجرهار خلال الشهور الـ 6 الماضية بعد عبورهم الأراضي الإيرانية، قادمين من سوريا.
وأشارت المصادر أيضا إلى أن المهمة القادمة لداعش في أفغانستان هي عرقلة وصول حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، وإثارة الخلاف بين كل من باكستان وأفغانستان من خلال عمليات يقوم بها التنظيم في أراضي الدولتين.
واللافت أن ما جاء على لسان المصادر الباكستانية لم يختلف كثيرا عما جاء في تصريحات رئيس الأركان الموحدة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، أناتولي سيدوروف، في 20 سبتمبر، التي كشف فيها أنه تم هذا العام رصد انتقال أكثر من ألفي عنصر داعشي من سوريا إلى منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية.
ونقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية عن سيدوروف قوله:”خلال العام الأخير فقط تم نقل أكثر من 2،5 ألف عضو من عناصر داعش من سوريا إلى منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية”.
وأضاف “ينحصر الخطر الرئيسي هنا في أن الإرهابيين يعتبرون أفغانستان قاعدة خلفية لها آفاق واسعة لنشر نفوذ التنظيم في وسط وجنوب آسيا في إطار تنفيذ ما يسميه التنظيم مشروع بناء الخلافة الكبرى”.
وتابع “الوضع في آسيا الوسطى لا يزال متوترا للغاية ويثير قلقا كبيرا”، مشددا في الوقت نفسه على أن الخطر الرئيسي على بلدان المنطقة يأتي من نشاط داعش.
ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي هي منظمة حكومية دولية وحلف عسكري تم توقيعه في 15 مايو 1992، وتضم كلا من روسيا وأرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان”.
وقبل تصريحات سيدوروف، وتحديدا في 19 سبتمبر، قال مصدر أمني عراقي رفيع، إن هناك أنباء تفيد بإصابة زعيم داعش أبو بكر البغدادي بمرض سرطان الرئة.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية “واع” عن المصدر، قوله، إن الأمور في التنظيم الإرهابي تتجه نحو إعلان زعيم جديد لداعش، بسبب عدم قدرة البغدادي على مواصلة العمل جراء مرضه.
وأضاف المصدر أن “داعش يمر حاليا بأزمة تناحر بين قياداته ومحاولة كل طرف فرض سيطرته على الطرف الآخر، إضافة إلى تشتت قوى التنظيم وتبعثرها بين مناطق عدة في العراق وسوريا”.
وفي 22 أغسطس الماضي، وفي تسجيل صوتي جديد منسوب له، لم يتم التأكد من صحته، حث أبوبكر البغدادي أنصاره في الدول العربية والغربية على مواصلة القتال وشن هجمات بكل الطرق الممكنة.
وحسب “رويترز”، جاء تسجيل البغدادي، الذي نشره موقع “مؤسسة الفرقان” التابع لتنظيم داعش، بعنوان “وبشر الصابرين”، وبلغت مدته 55 دقيقة، وتطرق فيه إلى الأزمة بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب احتجاز القس الأمريكي أندرو برانسون، والعقوبات الأمريكية على روسيا وإيران، واتفاق كوريا الشمالية مع أمريكا، والعمليات الإرهابية في السلط والفحيص الأردنيتين، في محاولة للترويج أن التسجيل الصوتي حديث، وأن البغدادي لا يزال على قيد الحياة.
وألمح البغدادي في التسجيل الصوتي المنسوب له، وهو الأول منذ أكثر من عام، إلى الصعاب التي يواجهها تنظيمه، داعيا أنصاره للصمود.
وأقر أيضا بالخسائر التي تعرض لها داعش، خاصة فقدان السيطرة على مدن وقرى بالعراق وسوريا، لكنه زعم أن ذلك “اختبار من الله”، وقال إن “ميزان النصر أو الهزيمة عند المجاهدين ليس مرهونا بمدينة أو بلدة سُلبت، وليس مرهونا بما يملكه المخلوقون من تفوق جوي أو صواريخ عابرة أو قنابل ذكية… بل بما يملكه العبد من يقين بوعد ربه وثبات على توحيده وإيمانه وإرادته الحقة في قتال أعداء الدين”، حسب ادعائه.
وتابع “الولايات المتحدة تتبع سياسة العصابات وإن علامات الانكسار والتدني ظهرت عليها”، زاعما أن “الفضل في كسر هيبتها يرجع إلى داعش”.
وكانت آخر رسالة من البغدادي في صورة تسجيل صوتي مدته 46 دقيقة، نشرت في سبتمبر 2017، ودعا فيها أنصاره في أنحاء العالم لشن هجمات على الغرب ومواصلة القتال في العراق وسوريا ومناطق أخرى.
وبعد مرور 4 سنوات، من إعلان خلافته المزعومة، خسر تنظيم “داعش” كل المناطق التي سيطر عليها تقريبا في العراق وسوريا، وقتل العديد من أعضائه الرئيسيين، لكن مصير البغدادي لا يزال مجهولا.
وكانت وسائل الإعلام ذكرت على الأقل ست مرات منذ 2014 أن البغدادي قُتل أو أصيب إصابة خطيرة، فقد قيل ثلاث مرات إنه قُتل في غارات للطائرات الروسية أو الأمريكية، وروجت تقارير أخرى عديدة أنه اُعتقل في هجوم بالمدافع شنته القوات السورية، حيث أصيب ثم توفي مسموما.
وتسبب رفع الجائزة الأمريكية أواخر 2016 للقبض على البغدادي من عشرة ملايين دولار إلى 25 مليونا في ورود سيل من البلاغات المزعومة برؤيته.
ورغم مقتل كثيرين من عناصر وقيادات داعش، يشكل بقاء البغدادي على قيد الحياة خطرا كبيرا، لأنه عرف عنه الدهاء، والقدرة على استقطاب المتطرفين، ولعل هذا يظهر بوضوح في سيرته الذاتية.
ولد البغدادي، واسمه الحقيقي، عواد إبراهيم البدري، في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين في شمال العراق عام 1971 لأسرة بسيطة وسنية، وعُرفت عائلته بتدينها، خاصة أنها تدعي أنها من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ودخل البغدادي جامعة بغداد ودرس العلوم الإسلامية، وحصل على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من الجامعة عام 1996، ثم حصل علي شهادتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات القرآنية من جامعة صدام حسين للدراسات الإسلامية عام 1999، وقضى البغدادي سنوات دراساته العليا في حي الطوبجي المتواجد في بغداد، مع زوجتين له، وستة من الأبناء.
وعرف عنه أنه كان محبا للغاية لكرة القدم، إذ أصبح نجما لفريق مسجد مديمة الطوبجي المتواجد في منطقته، إلا أنه سرعان ما انجذب إلى الأشخاص المتشددين، الذين يتبنون نهج العنف والقتل والخراب، وانضم إلى جماعات السلفية الجهادية، وأصبح تحت وصايتهم.
وفي 2003، وبعد الغزو الأمريكي للعراق، ساعد البغدادي في تأسيس جماعة باسم “جيش أهل السنة والجماعة”، وفي فبراير 2004، ألقت القوات الأمريكية القبض عليه، في مدينة الفلوجة، وظل بالسجن عشرة أشهر.
وحسب رواية أحد رفاقه في السجن، كان البغدادي قليل الكلام، لكنه كان ماهرا جدا في التنقل بين الفصائل المتنافسة داخل السجن، الذي كان يضم مزيجا من عناصر سابقة مقربة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وجهاديين.
واستغل البغدادي فترة سجنه في تحقيق أهدافه الإرهابية، إذ شكل تحالفات مع العديد من المعتقلين، وظل على اتصال بهم، حتى بعد الإفراج عنه.
واتصل البغدادي، بعد إطلاق سراحه، بأحد المتحدثين باسم تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، الذي كان يقوده حينها الأردني أبومصعب الزرقاوي، وحينها انضم للقاعدة.
لكن سرعان ما تغيرت الأمور، إذ قتل الزرقاوي عام 2006 في غارة جوية أمريكية، وحينها، خلفه أبو أيوب المصري.
وفي أكتوبر من نفس العام، قرر أبو أيوب المصري حل تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، وأسس تنظيما يُسمي بـ”الدولة الإسلامية “في العراق، وكان معهم في هذا التنظيم أبو بكر البغدادي وقام بالعديد من العمليات الإرهابية حينها، خاصة أنه كان لديه ميول إرهابية، كما تم تعيين البغدادي رئيسا للجنة الشريعة، وتم اختياره عضوا في مجلس الشورى للتنظيم، والذي كان يضم 11 عضوا.
وعام 2010، حدث تحول إرهابي كبير في تاريخ أبو بكر البغدادي، إذ تم تنصيبه قائدا لتنظيم القاعدة في العراق وأصبح أمير التنظيم، كما يقولون الإرهابيون، وحينها استطاع البغدادي بعقله الإرهابي أن يعيد بناء التنظيم.وعام 2011، استغل البغدادي الاضطرابات المتزايدة في سوريا، وأصدر أوامره لأحد النشطاء التابعين له بسوريا ليؤسس فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا، والذي عُرف بـ” جبهة النصرة”، وحينها حدثت خلافات كبيرة بينه، وبين أبو محمد الجولاني زعيم الجبهة.
وعام 2013، أعلن البغدادي أن جبهة النصرة هي جزء من تنظيم القاعدة في العراق، وحينها طلب أيمن الظواهري، زعيم التنظيم الأم، من البغدادي منح جبهة النصرة استقلالها وإعطائها الحرية الكاملة في قراراتها، لكن البغدادي رفض هذا الأمر، ودخل في صدام مع الظواهري، إذ أعلن انفصال تنظيمه عن التنظيم الأم.
وعقب ذلك، قام رجال البغدادي في العراق وسوريا بقتال عناصر جبهة النصرة، وحينها فرض البغدادي سيطرته وقبضته على شرق سوريا، ووضع مجموعة من القوانين والتشريعات الخاصة به.
وبعد أن عزز البغدادي مقاتليه في شرق سوريا، أمرهم بالتوسع في غرب البلاد، وفي يونيو 2014، أعلن البغدادي بشكل رسمي عن ولادة تنظيم “داعش” الإرهابي، وحينها سيطر بشكل كامل على مدينة الموصل في العراق، وعلى ما يقارب من ثلث مساحة بلاد الرافدين، كما أعلن سيطرته على أراض في سوريا، واتخذ الرقة معقلا له، إلا أنه في 2017، تعرض التنظيم لهزائم قاسية في العراق وسوريا، وقتل أيضا قادة كبار في صفوفه، بينهم الناطق باسمه، أبو محمد العدناني، الذي قتل في 30 أغسطس 2016 في حلب شمالي سوريا، وتضاربت الروايات حول كيفية مقتله، إذ أعلن التحالف الدولي لمحاربة داعش، مصرعه في غارة جوية، فيما زعمت وكالة أعماق التابعة للتنظيم، أنه قتل خلال متابعته لما سمتها العمليات العسكرية في حلب.