يوجد بقريتنا مسجد أقيم منذ عشرات السنين وهو حاليا آيل للسقوط، وبدأت الشقوق والتصدعات تملأ جدران المسجد مما ينذر بكارثة، وحسب رأي أهل الخبرة فإن المسجد مطلوب إزالته وإعادة بنائه، وقد بدأنا حملة تبرعات، ولكن الحصيلة ضعيفة جدًّا مقارنة بما يحتاجه المسجد من أموال ضخمة.
والسؤال الآن: هل يمكن أن يُحصل ولو جزء من زكاة كل مزارع من أهل القرية لإعادة بناء المسجد، ولا سيما أن المسجد يبعد عن أقرب مسجد بالقرية مسافة خمسمائة متر تقريبًا، وفي ذلك مشقة لكبار السن، وخاصة في صلاة الفجر وأيام المطر وخلافه؟
تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
تقرر عند علماء المسلمين أن هناك حقًّا في المال سوى الزكاة؛ فمنه الصدقة المطلقة، ومنه الصدقة الجارية، ومنه الوقف؛ تصديقًا لقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.. [الذاريات: 19]، وفي مقابلة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.. [المعارج: 24- 25]، الخاص بالزكاة المفروضة، وكل ذلك من باب فعل الخير الذي لا يتم التزام المسلم بركوعه وسجوده وعبادة ربه إلا به، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.. [الحج: 77]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّار» رواه الترمذي وصححه، والزكاة التي هي فرض وركن من أركان الإسلام قد حددت مصارفها على سبيل الحصر في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.. [التوبة: 60]، وليست المساجد من مصارف الزكاة الثمانية، فمصارفها الإنسان، فالإنسان قبل البنيان، والساجد قبل المساجد.
وعليه وفي واقعة السؤال لا يجوز بناء المساجد من الزكاة، ولكن يمكن أن تكون من الصدقة، ويمكن الاقتصار على أقل ما يمكن بناؤه لإقامة الصلاة في المسجد؛ رعاية لكبار السن وغيرهم ممن لا يستطيع الذهاب للمسجد البعيد إلا بمشقة، وكلما تجمع مال من متبرعين زدتم في بناء المسجد بما يناسب؛ تحقيقًا للمصلحتين، والعبرة في المساجد ليس في بنيانها وأحجارها ولكن برجالها الذين قال الله تعالى فيهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ}.. [النور: 36- 37]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في روادها: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ:… وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ… ».. متفق عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.