كثيرا ما أسأل نفسى: لماذا لا يعمل الموظفون؟ ولماذا لا يحملون بين ضلوعهم حماسا للعمل ولا رغبة فيه؟ لماذا لا يبتكر أحد شيئا؟ ولماذا إذا ابتكروا أفسدوا فنعود ونقول «ياريت ما كانوا اشتغلوا»؟
هل هو كسل عقلى؟ أو كسل وظيفى؟ هل أصبحنا نستخسر فى وطننا العمل؟ هل أصبحنا نستكثر على أنفسنا الحلم؟ هل أصبحنا ضعاف البصر قليلى الحيلة إلى هذا الحد فعلا؟
ما الذى يكبل كل رئيس هيئة أو رئيس مصلحة أو حتى وزيرا فلا نراه يفعل شيئا وكأنه مسجون فى الوارد والصادر والقرار والقرار المضاد؟ لماذا أصبح رؤساء المصالح الحكومية مجرد أشباح، ولماذا أصبح المستشار القانونى هو الحاكم الفعلى والمدير المباشر لجميع العاملين فى الدولة كما لو كان الجميع مدانا والجميع متهما والجميع يخشى من البوكس الواقف أمام الوزارة؟
هل فقد الجميع القدرة على الابتكار إلى هذا الحد؟ هل اطمأن الجميع إلى الغد فسكتوا عن فعل أى شىء وكل شىء؟ لماذا ما ينتهى فى العالم كله فى دقائق نظل فيه أسابيع وشهورا وسنين؟ لماذا لا نرى تقدما فى أى شىء إلا إذا اهتم به الرئيس؟ ولماذا لا نرى إنجازا إلا ما يخطط له الرئيس؟ ألا يستحى وزراء تسيير الأعمال من أنفسهم؟ ألا يستحون من التاريخ الذى يضع مكانهم فراغا؟ ألا يستحون من مرتباتهم التى يحصلون عليها كل شهر دون إنجاز يذكر؟
مللنا من حالة «تسيير الأعمال» التى تتلبس الكثير من المسؤولين والكثير من رؤساء المصالح والهيئات، مللنا من حالة اللافعل والجرى فى المكان التى يقبع فيها كل مسؤول وكأنه يخشى من العمل أو يخشى من الخطأ فنصاب بالعمى ونصاب بالشلل، مللنا من تراكم القمامة فى الشوارع، والأتربة على العمارات، والفساد فى العقول والعفن فى القلوب، مللنا من أشباه الـ«بنى آدمين» وأشباه المسؤولين وأشباه المفكرين وأشباه المثقفين، مللنا حتى من أشباه المنافقين.
قالوا إن قانون الخدمة المدنية الجديد سيعالج القصور فى دولاب عمل الدولة، فانتظرنا ولم نر شيئا يعالج، ولم نر مائلا يعدل، فهل نحتاج إلى قانون يعدل القانون الذى كنا نظن أنه سيعدل الحال؟ أم نحتاج إلى قرار إزالة يمحونا من على وجه الأرض لكى ندرك بالفعل أننا أمام تحديات لا حصر لها؟