تحقيقات و تقاريرعاجل

والدة بن لادن تتحدث للمرة الأولى…كان ولداً صالحاً إلى أن غسلوا دماغه

تحت عنوان :”ابني أسامة، والدة بن لادن تتحدث للمرة الأولى”، كتب الصحافي مارتن تشولوف في صحيفة “ذا غارديان” البريطانية تحقيقاً مطولاً عن عائلة بن لادن وإرثها، والتقى والدة زعيم تنظيم القاعدة الذي كان المطلوب الأول حول العالم، قبل أن يقتل في عملية نفذتها قوات أمريكية خاصة على معقله في أبوت أباد بباكستان.

عرض تشولوف في مستهل تقريره الإطار الاجتماعي للجلسة في منزل العائلة في جدة، واصفاً عليا غانم، والدة بن لادن جالسة على زاوية أريكة في غرفة فسيحة ترتدي ثوباً منقوشاً بألوان زاهية، وحجاباً أحمر. وفي واجهة زجاجية صورة مؤطرة لابنها البكر تأخذ مكان الصدارة بين أبناء العائلة والأشياء الثمينة. وبوجه مبتسم وملتح، توزعت صور له في أنحاء الغرفة.
الابن الحبيب
ويقول تشولوف إن عليا كانت محط اهتمام الجميع في الغرفة. وعلى كرسيين قريبين منها، جلس اثنان من أبنائها الأحياء، أحمد وحسن، وزوجها الثاني محمد العطاس، الرجل الذي ربى الأشقاء الثلاثة. ويضيف أن كل واحد في العائلة لديه قصته الخاصة يخبرها عن الرجل الذي ارتبط اسمه بصعود الإرهاب العالمي، ولكن غانم هي التي كانت سيدة الجلسة، واصفة رجلاً لا يزال بالنسبة إليها الابن الحبيب الذي ضل طريقه في طريقة ما.
وتقول بثقة: “كانت حياتي صعبة لأنه كان بعيداً عني…كان ولداً طيباً جداً وكان يحبني كثيراً”. وتشير المرأة السبعينية التي تبدو في صحة متوسطة إلى العطاس، رجل نحيل يرتدي مثل ابنيه عباءة بيضاء، قائلة: “لقد ربى أسامة منذ كان في الثالثة. كان رجلاً طيباً مع أسامة”.
واجتمعت العائلة في جانب من المنزل الذي تتشاركه في جدة، وهي لا تزال إحدى أغنى عائلات السعودية، إذ إن امبراطوريتها للبناء شيدت جزءاً كبيراً من المملكة الحديثة. ويعكس المنزل ثراء العائلة ونفوذها. ومع أن لا حراس خارج المكان، فإن عائلة بن لادن معروفة جداً بين السكان.
لسنوات، رفضت غانم الحديث عن بن لادن، مثلها مثل عائلتها، طوال فترة العقدين اللذين كان فيهما زعيماً للقاعدة، والتي شهدت الهجمات على نيويورك وواشنطن.

موافقة سعودية
ويقول تشولوف إن القيادة السعودية الجديدة بزعامة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق على طلبه التحدث إلى العائلة. فإرث أسامة هو آفة خطيرة للمملكة كما لعائلته، ويعتقد كبار المسؤولين أنه من خلال السماح لعائلة بن لادن بإخبار قصتها، يمكنهم أن يثبتوا أن المنبوذ –لا الوكيل – هو المسؤول عن أحداث 11 سبتمبر .
ويلفت تشولوف إلى أن لا عجب أن عائلة أسامة بن لادن كانت حذرة في المفاوضات الأولية لإجراء المقابلة، خوفاً من إعادة نكء الجروح. لكن بعد عدة أيام من النقاش، أبدت استعدادها للحديث. وعندما التقينا في يوم حار في أوائل يونيو ، جلست ممثلة للحكومة السعودية في الغرفة، رغم أنها لم تحاول التأثير على المحادثة.
خجول ومتمكن
وتذكرت غانم التي جلست بين الأخوين غير الشقيقين لأسامة، ابنها البكر بأنه كان خجولاً ومتمكناً في تعليمه. وصار شخصية تقية وقوية في عشريناته، عندما كان يدرس الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة. وتقول غانم: “الأشخاص في الجامعة غيروه. صار رجلاً مختلفاً”. وأحد الذين التقاهم هناك كان عبدالله عزام، العضو في الإخوان المسلمين الذين طرد لاحقاً من المملكة وصار المرشد الروحي لأسامة. وأضافت: “كان شخصاً صالحاً جداً إلى أن التقى بعض الأشخاص الذين غسلوا دماغه في مطلع عشريناته. يمكن تسمية ذلك عبادة. كانوا يتلقون مالاً لقضيتهم. كنت دائماً أقول له أن يبقى بعيداً عنهم، وهو لم يعترف لي قط بما كان يقوم به، لأنه كان يحبني كثيراً”.
وأخذ حسن الحديث ليقول: “كل من التقاه في شبابه احترمه. في البداية كنا فخورين به جداً. حتى الحكومة السعودية عاملته بطريقة محترمة. وبعدها صار أسامة المجاهد”.
ساد صمت حذر بعدما حاول حسن شرح التحول من التعصب إلى الجهاد العالمي. وقال: “أنا فخور جداً به كونه أخي الكبر”، مستدركاً: “علمني الكثير، ولكنني لا أعتقد أنني فخور به كرجل. بلغ النجومية على ساحة دولية، ولكن ذلك كان من أجل لا شيء”.

ستار الأعمال العائلية
كانت غانم تنصت باهتمام، وصارت أكثر حماسة عندما عاد الحديث إلى سنوات نشأة أسامة. وقالت: “كان مستقيماً جداً. جيداً جداً في المدرسة. كان يحب الدراسة. أنفق كل ماله في أفغانستان. كان يتسلل تحت ستار الأعمال العائلية”. وعندما سألها تشولوف: “هل اشتبهت يوماً في أنه سيصبح جهادياً، قالت: “لم يخطر الأمر ببالي أبداً”، وكيف شعرت عندما عرفت ذلك، ردت: “كنا مستائين جداً. لم أكن أريد أن يحصل كل هذا.
وتقول العائلة إنها رأت أسامة للمرة الأخيرة في أفغانستان عام 1999، السنة التي زارته فيها مرتين في قاعدته خارج قندهار. وتقول غانم: “كان مكاناً قرب المطار الذي استولوا عليه من الروس…كان سعيداً جداً لاستقبالنا. كان يجول بنا في المنطقة. قتل حيواناً ودعا الجميع إلى مأدبة”.
وبدأت غانم تستريح عندما انتقل الحديث إلى طفولتها في اللاذقية، حيث ترعرعت في عائلة علوية. وهي انتقلت إلى جدة في منتصف خمسينات القرن الماضي، وولد أسامة في الرياض عام 1957. وتطلقت من والده بعد ذلك بثلاث سنوات، ونزوجت من العطاس، الذي كان إداريا في امبراطورية بن لادن ، مطلع الستينات. أما والد بن لادن فأنجب 54 ولداً من 11 زوجة على الأقل.
نكران
وعندما تركت غانم الغرفة لتستريح، تابع أخوا أسامة الحديث. ولفت أحمد إلى أنه من المهم التذكر بأن الأم نادراً ما تكون شاهداً موضوعياً. “لقد مضى 17 عاماً على أحداث 11 سبتمبر، ولا تزال في حالة نكران في شأن أسامة. كانت تحبه كثيراً ورفضت اتهامه. وبدل ذلك، حملت المسؤولية لمن كانوا حوله. لم تكن تعرف إلا الجانب الجيد من أسامة، الجانب الذي رأيناه جميعنا. لم تعرف قط الجانب الجهادي”.
وعن التقارير الأولى عن أحداث 11 سبتمبر، قال: “لقد صدمت…كان شعوراً غريباً. عرفنا منذ البداية (أنه أسامة)، في غضون 48 ساعة. من أكبرنا إلى أصغرنا شعرنا بالخزي. عرفنا أننا سنواجه جميعاً تبعات رهيبة, عادت العائلة كلها من الخارج إلى السعودية…كانوا موزعين في سوريا ولبنان ومصر وأوروبا.في السعودية فرض علينا حظر سفر. حاولا قدر المستطاع السيطرة على العائلة”.
وتؤكد العائلة أنها استجوبت من السلطات، ومنعت لبعض الوقت من مغادرة البلاد. وبعد عقدين تقريباً، تستطيع العائلة التحرك بحرية نسبياً داخل المملكة وخارجها.

زر الذهاب إلى الأعلى