قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إن فى قصة سيدنا موسى، عليه السلام، حينما أرسله الله عز وجل إلى فرعون وقومه آيات بينات، وعلامات واضحات على قدرة رب العالمين ، يقول تعالى : “وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى”، قال لهم سيدنا موسى (عليه السلام) : اختاروا يومًا يجتمع الناس فيه وقت الضحى، “فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى”، فبعث فرعون من ينادي ليأتوا بكل سَحَّار عليم ، متمكن في السحر ، “وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ”.
وتابع جمعة خلال برنامج “فى رحاب القرآن الكريم” بعنوان “في رحاب سورة طه 3”: “يقول بعض الحكماء: حينما طلب السحرة أجرًا من فرعون، دل ذلك على أن السحرة لا يقدرون أن يغيروا في حقائق الأمور، ولا في طبيعة الأشياء، فبعض الناس يذهب إلى ساحر، أو عرّاف، أو كاهنٍ مع أن كل ذلك محرم في ديننا الحنيف، ويقول له الساحر: سأربحك ذهبًا، وسأحول لك التراب إلى ذهب، والأوراق إلى نقود مقابل جُعل معلوم، ومال محدد، فكونه يطلب منك أجرًا دليل عجزه، فلو كان السحرة قادرين على قلب الحقائق لحولوا التراب ذهبًا لأنفسهم، وما طلبوا الأجر من فرعون، وما قالوا: “إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ”، ولو كانوا قادرين على ذلك لحولوه لأنفسهم؛ لأن من كان لديه القدرة على فعل ذلك فغيره فمن باب أولى أن يفعله لنفسه، فالساحر لا يمكن أن يقلب الحقائق، ولا يمكن أن يحول التراب إلى ذهب أبدًا، ولا الورق إلى نقود أبدًا ، بل هو يخدعك لترى الشيء على غير الحقيقة التي هي عليه ، ” قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” ، قال تعالى: “فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى، قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ” فيستأصلكم بعذاب ،” وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ، فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى”، تحدثوا حديثًا خافتًا حتى لا يسمعهم سيدنا موسى (عليه السلام) ، “قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى”، يأتي السحرة صفًّا واحدًا متحدين ؛ حتى يلقوا الرعب في قلب سيدنا موسى (عليه السلام) ومن معه ، “فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى”.
كما بين جمعة أن القسمة اللغوية التى جاءت على ألسنة السحرة غير متكافئة، حيث قالوا “يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى”، وقال سبحانه عنهم في موطن آخر : “قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ” ، فالقسمة المتكافئة كانت تقتضي أن يقال : إما أن تلقي وإما أن نلقى، أو إما تلقي أنت أو نلقي نحن ، لكنهم لم يقولوا ذلك ، وإنما قالوا :” إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى” ، ” إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ” ، وذلك على خلاف الوضع الطبيعي ، فالتخيير هنا شكليٌّ لجأوا إليه لأنهم كانوا من داخلهم مرعوبين ، ويخشون أن يفاجئهم سيدنا موسى (عليه السلام) بما لا قبل لهم به إن بدأ هو ، كما أنهم رتبوا أنفسهم أن يبدءوا هم ، لكنهم أرادوا أن يخدعوا فرعون بظهورهم شكليًّا أنهم لا يخافون من سيدنا موسى (عليه السلام) ، لكنهم في الواقع كانوا مرعوبين من داخلهم ، مهزوزين خائفين أن يباغتهم سيدنا موسى(عليه السلام) ، لهذا أرادوا أن يأخذوا زمام المبادرة ، فقال لهم سيدنا موسى (عليه السلام) : ” بَلْ أَلْقُوا ” ثقة في الله تعالى، “فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى” ، لم يقل القرآن الكريم إن حبالهم وعصيَّهم انقلبت حية ، وإنما عبر بقوله ” يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى “، بينما انقلبت عصا سيدنا موسى (عليه السلام) إلى حيَّة حقيقية ، لأنها انقلبت بإرادة الله تعالى ، بخلاف السحرة فإنه يخيل إلى الناس ويتوهمون أنها تسعى وهي لا تسعى على الحقيقة ، ” سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ” ، لأن الساحر لا يقدر أن يقلب حقائق الأشياء ولا أن يغير في حقيقتها.
كما أضاف جمعة أن الأنبياء (عليهم السلام) دائمًا ما يحرصون على دعوة الناس للخير ، وإرشادهم لطريق الحق ، ولهذا لما رأى سيدنا موسى (عليه السلام) ما فعله السحرة ، خاف على الناس أن يُخدعوا ويصدقوا السحرة ، “فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى”، على إيمان الناس أن يفتنوا ، فقال تعالى لسيدنا موسى (عليه السلام) : ” قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى”.
واختتم وزير الأوقاف: “وهنا لما رأى السحرة ما رأوا وأيقنوا أن هذا لا يمكن أن يكون سحرًا ، ولا يدخل في باب السحر ، “فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ، قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأبقى، قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى”، سُئل أحد الحكماء: هل هناك وقفة أشد من الموت ؟ ، قال : نعم ، قالوا : ما هي ؟ ، قال الحكيم : من يتمنى الموت ولا يجده ، وأهل جهنم يتمنون الموت فلا يجدونه، لشدة العذاب، قال تعالى: “إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى”.
فى سياق آخر اعتمد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أمس طباعة الجزء الثامن من “موسوعة الخطب العصرية”، وقد قدم الوزير للكتاب.
وذكر بيان للوزارة أن جمعة قال فى مقدمة الكتاب “يسرنا أن نقدم للأئمـة والخطباء والمثقفين والمعنيين بالشـأن الدعوي في مصر والعالم (الجزء الثامن) من موسوعة الخطب العصرية الذي أعدته الإدارة العامة للفتوى وبحوث الدعوة بوزارة الأوقاف تحت إشرافنا ومراجعتنا.
وتابع جمعة: وقد تنوعت موضوعات هذا الجزء ما بين قضايا إيمانية وتربوية وأخلاقية ، تهدف إلى إيقاظ الضمائر وتهذيب الأخلاق، وقضايا اجتماعية تسهم في دعم وتقوية أواصر المودة والرحمة بين أبناء المجتمع، وتسهم في حفظ تماسكه وتلاحم نسيجه ، وأخرى تتصل بالمعاملات التي تعد جزءًا لا يتجزأ من السلوك القويم للمسلم، وقضايا وطنية تهدف إلى تقوية الانتماء الوطني والحفاظ على أمن الوطن واستقراره ، إضافة إلى ما لا غنى عنه من بعض خطب المناسبات”.
واستطرد جمعة: “ويتناول هذا الجزء العديد من القضايا العصرية ، منها : فقه بناء الدول ، وحماية الشأن العام والمصلحة العامة ، والآداب العامة وأثرها في رقي الأمم ، وخطورة الشائعات وتزييف الوعي ، وغير ذلك من الموضوعات المهمة التي تسهم في بناء الوعي ونشر الفكر الوسطي المستنير ، وقد آثرنا في هذه الخطب أن تكون في إطار سماحة الإسلام ووسطيته ، بعيدًا كل البعد عن جميع ألوان التشدد والغلو والإفراط أو التفريط، محققة لرسالة المسجد ، تجمع ولا تفرق ، وتهدف إلى تحقيق مصالح البلاد والعباد ، من منطلق أن شرع الله (عز وجل) قائم على مراعاة هذه المصالح ، فحيث تكون المصلحة فثمة شرع الله وبما يؤدي إلى تشكيل وعي ديني صحيح ورشيد ومستنير ، وحس وطني صادق ونبيل”.
واختتم وزير الأوقاف “كما راعينا في إخراجها السهولة واليسر ، والبعد عن التقعر والتكلف، سائلين الله (عَزَّ وجَلَّ) أن يكتب لهذا العمل القبول ، وأن يكون زادًا علميًّا وفكريًّا ومعرفيًّا في مجال الثقافة الإسلامية الرصينة، وأن يكون إضافة متميزة للمكتبة الدعوية ، في إطار دور مصر الريادي في نشر الفكر الوسطي المستنير وترسيخ سماحة الإسلام ، وإبراز معالمه الحضارية للبشرية جمعاء”.