كان المشهد مهيبا فى كنيسة السيدة العذراء بمسطرد، حشود الأقباط وأحبائهم من المسلمين يحتفلون بعيد السيدة العذراء الطاهرة أياما وليالى منذ السابع من أغسطس، تراتيل وأهازيج ومدائح وصلوات، ألعاب وتبريكات ومسابح وماكينات الوشم ومراجيح وتذكارات وأيقونات، بائعون ينتظرون المولد الممتد أربعة عشر يوما من العام للعام، وكل صاحب حاجة يأتى فى صمت ويسأل الله حاجته ببركة السيدة العذراء.
فى أوساط المحتفلين من المصريين بالمولد الكبير، يتوزع رجال الأمن فى دوائر متتابعة وغير مرئية، كما تتوزع أجهزة الفحص والتفتيش فى المداخل المحتمل توافد الأهالى والمحتفلين عليها، تبدأ الدائرة الأكبر بمحيط كيلومترين حول الكنيسة والأماكن المرتفعة المحيطة بها، حيث تتوزع العيون والكاميرات تراقب مثل الصقور أى حركة مشبوهة، وتليها دائرة أخرى مزودة بأجهزة التفتيش وكشف المتفجرات والأسلحة والقنابل، وكذا أجهزة المسح بأشعة إكس التى لا تدع شيئا يمر داخل حقيبة أو فى الجيوب أو حول الأجساد إلا وكشفته بوضوح، وتليها دائرة أضيق من العيون الفاحصة لرجال القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب، يكفى نظرة منها للزائر لتعرف على الفور هل يحمل سلاحا أم لا؟ وهل هو زائر عادى أم يضمر شرا بالمسالمين المحتفلين؟
هذا التتابع من رجال الفحص والتفتيش والتأمين حول الكنيسة وداخلها وأمام بواباتها، جعل الإرهابى الذى يلف وسطه حزام ناسف يتردد ألف مرة قبل أن يقترب من الكنيسة والمحتفلين داخلها وبمحيطها، وكلما انتوى أن يقتحم نقطة مزدحمة وأن يدوس على زر التفجير، وجد فى مواجهته نقاطا حصينة من رجال الأمن بأجهزتهم وأسلحتهم، فيستدير متراجعا باحثا عن ثغرة يتسلل منها لتنفيذ مهمته الشيطانية، حتى ضاق به الحال ولم يجد مفرا من صعود كوبرى شركة البترول بعيدا عن الكنيسة ليراقب من مكانه العالى المداخل قبل أن يهبط مرة أخيرة للتنفيذ والتفجير، وهنا يشاء الله أن يدخل الرعب قلبه وأن يرتبك، متصورا أن أمره قد انكشف، وأن طلقة أو طلقات من أسلحة رجال الشرطة المنتشرين سوف تناله، فيقرر فى لحظة غفلة أن ينتهى من مهمته السوداء والسلام، ويفجر الحزام الناسف فى نفسه وكأنه ينتحر، إذ تناثرت أشلاؤه أعلى كوبرى شركة البترول دون أن يصاب أى مصرى يحتفل بالمولد بأذى.
الخبرات المتراكمة لقوات الشرطة والجيش فى مكافحة الجماعات الإرهابية وخلاياها العنقودية، مكنتها خلال السنوات الماضية من استيعاب أحدث وسائل ومناهج مكافحة الإرهاب، كما مكنتها من تحديث قواعد البيانات الخاصة بأساليب عمل الجماعات الإرهابية، وكيفية استهداف دور العبادة والمصالح الحكومية والمنشآت الحيوية، وكذا تصميم آليات عمل وخطط متدرجة للتعامل مع العمليات الإرهابية أو حتى الذئاب الشاردة والانغماسيين الذين يفجرون أنفسهم فى الحشود عبر تطبيق منهج الدوائر الأمنية المتتابعة.
تحديث المناهج الأمنية واستخدام خطط محكمة فى التأمين وتدريب العناصر وكذا اختراق قواعد الجماعات الإرهابية والسيطرة على خلاياها النائمة والوصول إلى الصفوف الثالثة والرابعة منها، يعد جهدا كبيرا وشاقا لا يشعر به المواطن العادى، لكنه يظهر فى عمليات مثل حادث كنيسة السيدة العذراء بمسطرد، عندما عجز الإرهابى عن التسلل لأقرب نقطة مزدحمة من الكنيسة بفضل الانتشار المحكم بالبوابات الإلكترونية ورجال التأمين، ومثل عمليات الإجهاض المتتابعة التى نفذها رجال الأمن للخلايا الإرهابية والاشتباك معها فى مكامنها قبل ارتكابها جرائمها ضد مصالح ومؤسسات الدولة.
كل التحية والتقدير لرجال الشرطة والجيش الذين يواجهون الإرهاب فى صمت بدأب شديد، ويعملون على اقتلاع جذوره وتجفيف منابعه وتخليص البلاد من شروره.