تتجه الأوضاع فى جمهورية فنزويلا اللاتينية إلى مزيد من التعقيد، حيث تستمر المظاهرات من المعارضين والمؤيدين للرئيس نيكولاس مادوروا، وزعيم المعارضة خوان جوايدو، رئيس البرلمان الذى أعلن نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، داعيا لانتخابات رئاسية جديدة، فى وقت تتزايد فيه الأزمة الاقتصادية وتنعكس على حياة 30 مليون فنزويلى يواجهون الفقر والجوع.
وبالرغم من تمسك الرئيس مادوروا بموقعه، فإن بعض قيادات الجيش أعلنوا مساندة الانتخابات المبكرة، ويدعون للتمرد على الرئيس والاعتراف بزعيم المعارضة خوان جوايدو، الذى حظى بتأييد ودعم الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا والدول اللاتينية، فيما يصر مادوروا على أنه ضحية انقلاب تديره الولايات المتحدة، وفرضت عقوبات جديدة على فنزويلا تضاعف من أزمات قطاع النفط المتعثر فى البلد النفطى العضو بمنظمة «أوبك».
وأعلن الجنرال فرانسيسكو يانيز، عضو القيادة العليا للقوات الجوية، دعمه لجوايدو، مؤكدا أن القوات المسلحة تساند الشعب وليس الرئيس، وهو أول جنرال فنزويلى فى الخدمة يعترف بجوايدو منذ أن أعلن نفسه رئيسا يوم 23 يناير، وبينما أبدى مادوروا موافقته على إجراء انتخابات بناء على طلب المعارضة، اعتبرها جوايدو مناورة للهروب معلنا فى رسالة مصورة على تويتر: «سننظم احتجاجا لإظهار القوة بطريقة منظمة وسلمية»، وذلك فى مواجهة مظاهرات دعا إليها الرئيس مادوروا للاحتفال بالذكرى العشرين لتنصيب الزعيم الاشتراكى الراحل هوجو تشافيز رئيسا لأول مرة فى عام 1999.
وما يجرى فى فنزويلا وما جرى فى دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل، والأزمة بدأت مع تولى الرئيس هوجو شافيز الذى أراد بناء تجربة اشتراكية تقليدية من دون مقومات تراعى التطورات العالمية، خاض هوجو شافيز حربا متعددة الأطراف مع الولايات المتحدة ومع رجال المال، ما دفع إلى هروب الأموال خارج فنزويلا وتوقف الاستثمارات، وأنفقت العائدات الضخمة على برامج إسكان ومعونات للفقراء لم تخرجهم من الفقر ولا ساهمت فى خفض البطالة، ومع الوقت انتهت السياسات إلى تراجع التنمية وتضاعف البطالة وتراكم الديون.
وعلى العكس، فإن تجربة لولا دسيلفيا فى البرازيل اتفق مع البنك الدولى وحصل على قروض ودعم الاستثمارات والقطاع الخاص واجتذب استثمارات خارجية، وأقام بنية تحتية من الطرق والطاقة والمؤسسات التعليمية، ونجح فى سداد القروض فى مواعيدها، وشجع الاستثمار فى الزراعة والصناعة والإنتاج الحيوانى، وراكم على إنجازات وضعها سابقوه، ليحتل البرازيل المركز السادس بين اقتصادات العالم، وحتى مع الأزمة السياسية التى اجتاحت البرازيل وانتهت باتهامات المعارضة لدى سيلفا بالفساد، فإنها لم تؤثر كثيرا على استقرار البرازيل، بالرغم من أن الأخيرة تواجه أزمة فى أعداد السكان ونسبة الفقر.
وقد جددت أزمة فنزويلا البحث فى الدول الفاشلة والناجحة، وكيف يمكن لدولة غنية بالموارد النفطية أن تعانى من التخلف والفقر، بينما دول أخرى لا تمتلك نفس الموارد نجحت فى تطوير اقتصادها وفازت فى سباق التنمية.
وبالتالى لا يفترض الاكتفاء بالنظر إلى أزمة فنزويلا على أنها فقط مؤامرة أمريكية بالرغم من أن الولايات المتحدة لعبت دورا فى حصار فنزويلا، لكن طرد رؤوس الأموال من دون بدائل ساهم فى تهريب الأمول، كما التهم الفساد الحكومى واحتكار السلطة فى عهد شافيز فرص التنمية، حيث حلت طبقة البيروقراطية والتكنوقراط وسيطرت على فرص الاستثمار، واحتكرت السلطة والثروة، فى وقت اختفت فيه القطبية الدولية التى كانت تضمن توازنا فى العلاقات الدولية، وعليه فإن النية الحسنة وحدها ربما لا تكفى لضمان نجاح الدولة والتنمية ما لم تقم على توازن بين القوى المختلفة فى المجتمع.