أصبح من المعتاد مؤخرًا وللأسف الشديد انتشار الكسل والتراخى والخمول تزامنًا مع استقبال شهر رمضان المبارك وأصبح مالوفًا كلما رغبت فى إنهاء خدمة أو مصلحة ألا تجد الموظفين المنوط بهم أداء العمل وكثيرًا ما نسمع عن تأجيل أى ارتباطات لما بعد رمضان، وكأن هذا الشهر أصبح مخصصا للنوم فقط.
يبدو أن الكثير من المسلمين تناسوا فضائل الشهر الكريم، وما شهده من إنجازات على مدار تاريخ طويل منذ فجر الدعوة الإسلامية، تناسوا أنه فى نهار يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة جرت أولى المواجهات القتالية بين جيش المسلمين بقيادة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، والذى لم يتجاوز تعداده ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، ولم يزد عتاده عن ٧٠ بعيرًا وفرسين، وذلك فى مواجهة جيش قريش البالغ تعداده ألفًا من وجهاء القوم وفرسان مكة وحلفاء قبيلة قريش من قبائل العرب، مصحوبين بعتاد تبلغ أعداد الخيل فيه مائتى فرس، والمعروفة بغزوة بدر، فى مواجهة بكل الحسابات البشرية محسومة النتيجة للفريق الأكثر عتادا وعدة، لكن كفة الإيمان بالله واليقين بنصره والثبات على الحق قلبت الموازين وخالفت الحسابات البشرية، وأنهت المواجهة لصالح الفريق الأقل عددًا وعدة والأكثر إيمانًا وصبرًا، وأعادت الفريق الآخر مهزومًا مدحورًا يجر أذيال الخيبة.
وفى نهار العاشر من رمضان من العام الهجرى ١٣٩٣، السادس من أكتوبر من العام الميلادى ١٩٧٣، انطلق رجال جيش مصر، وهم يتسلحون بسلاح الإيمان بالله واليقين بنصره، ويستحضرون روح «بدر» فى مواجهة جيش يقاتل من وراء جدر، ويتمترس خلف ساتر ترابى هو الأعلى فى ذلك الوقت، ويتخفى خلف خط «بارليف» ظنًا منه أنه محمى به، ليكون لحسابات الإيمان والصبر والحق كلمة مغايرة لكل الظنون البشرية، وتحسم المواجهة بنصر يوثقه تاريخ الحروب العسكرية لرجال الجيش المصري.
العاشر من رمضان وبدر وبينهما سلسلة انتصارات من بينها فتح مكة والقادسية وحطين وعين جالوت جميعها مواجهات جرت فى رمضان، ولم يمنع الصيام فى الشهر الكريم الجيوش عن خوضها وحصد الانتصار فيها، فى تأكيد على أن ما تظنه عائقًا عن العمل والإنجاز ودافعًا للاسترخاء والكسل قد يكون فيه الدافع الأقوى والأكبر لتحقيق المكسب فى حياتك، المهم أن تستلهم الطاقة الإيجابية منه وفيه، وأن تعظمها وتبنى عليها لتحقيق الانتصار فى شئون حياتك، وأن تتذكر أنه ما كان لأحد بين صفوف الاحتلال الإسرائيلى أن يتوقع أن جنود مصر سيفاجئونه فى نهار شهر الصوم بالانقضاض على أساطير جيشهم وهدمها وتسجيل أسطورة على أنقاضها باسم المصريين وإضافة نصر جديد إلى سجل انتصارات رمضان.
علينا جميع أن نتذكر ما فعله الأوائل خلال هذا الشهر العظيم فى محاولة لاقتفاء أثرهم بدلا مما نراه الآن.