نشر موقع الأهرام الإلكتروني مقال للكاتب الصحفي علاء ثابت بعنوان (من بركة غليون إلى جزيرة قبرص) جاء كالتالي :
بعد يومين من افتتاحه مشروع الاستزراع السمكى الأكبر فى الشرق الأوسط «بركة غليون»، جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لجزيرة قبرص. فى الحالتين كانت الزيارة هى الأولى من نوعها، وفى الحالتين كان البعدان الاقتصادى والسياسى على المستويين الداخلى والخارجى حاضرا بقوة، ذلك أن زيارة الرئيس لبركة غليون وافتتاح مشروع الاستزراع السمكي. الذى يستهدف بالأساس السعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الأسماك بكل ما يعنيه ذلك من تخفيف على المواطنين، وإتاحة المزيد من فرص العمل – تؤكد نجاح الرئيس فى تنفيذ ما وعد به فى برنامجه الرئاسي، والأهم أنه يشير إلى قدرة مصر الدولة والمواطنين على تحقيق الإنجازات رغم التحديات التى تواجهها الدولة، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب، وبما يؤكد للمجتمع الدولى خاصة الاقتصادى والاستثمارى منه أن مصر مصرة على العبور إلى المستقبل، وأنها قادرة على حماية الاستثمارات على أراضيها، وإلا لما قامت هى فى مثل تلك الظروف بتلك المشروعات الاستثمارية العملاقة.
يكفى لكى نعرف حجم ما يتم إنجازه فى مجال الاستزراع السمكى أن نعرف أن مساحة مشروع بركة غليون للاستزراع السمكى بمرحلتيه مضافا إليها مساحة المزرعة السمكية بشرق بورسعيد تقرب من ربع مساحة العاصمة القطرية الدوحة، التى ما زالت تعيش فى أوهام تعطيل المسيرة المصرية عبر ما تقدمه من دعم للجماعات الإرهابية، وعبر ما تبثه من دعايات «رخيصة» عن المشروعات القومية فى مصر من خلال بوقها الإعلامى الرسمى، والأبواق الإعلامية الأخرى التى تمولها وترعاها خدمة لمشروع الجماعات الإرهابية. كما أن اختيار موقع بركة غليون لإقامة مشروع الاستزراع السمكى يهدف إلى المساعدة فى القضاء على الهجرة غير الشرعية التى كانت تنطلق من تلك المنطقة باعتبارها الأقرب إلى دول جنوب أوروبا.
فتنمية تلك المنطقة كفيلة بالحد أو السيطرة أو عرقلة عمل «العصابات» العاملة فى مجال الهجرة غير الشرعية، وهو أمر يمثل أحد أهم الهواجس الرئيسية لدول جنوب أوروبا.
إذن التنمية وإيجاد المزيد من فرص العمل للمصريين الذين تجاوز عددهم حاجز المائة مليون والمساهمة فى حل مشكلة الهجرة غير الشرعية التى تمثل هاجسا أساسيا لنا ولشركائنا فى البحر المتوسط كانت كلها حاضرة فى الزيارة الأولى المتعلقة ببركة غليون، فماذا عن الزيارة الرسمية الأولى لقبرص.؟
ربما لا يعرف الكثير منا عمق وتاريخ العلاقة بين مصر وقبرص، بينما ترتبط مصر وقبرص بعلاقات متميزة، وتاريخية ساعد فى تعزيزها القرب الجغرافى والتناغم الحضارى والثقافى بين الشعبين، وكانت مصر من أوائل الدول التى سارعت بالاعتراف بالجمهورية القبرصية وتبادلت العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 1960. ولم تتوتر تلك العلاقة إلا فى عام 1978 نتيجة ما حدث فى مطار لارنكا بعد اغتيال الأديب يوسف السباعى واشتباك القوات القبرصية مع القوات المصرية التى تدخلت لتحرير الرهائن المختطفين فى طائرة بالمطار.
ومع وصول الرئيس السيسى لسدة الحكم وسياسته القائمة على الانفتاح على كل الدول، خاصة تلك التى تشاركنا مصالح مشتركة أو تجمعنا بها الجغرافيا، كانت قبرص واليونان فى مقدمة تلك الدول التى استهدف الرئيس تعميق العلاقة معها، انطلاقا من الشعور بالمسئولية الكاملة لتلك الدول تجاه المنطقة بأسرها، كما أكد الرئيس السيسي.
وفى نوفمبر من عام 2014 أى بعد خمسة أشهر من توليه المسئولية نجح الرئيس فى وضع اللبنة الأولى للشراكة الإستراتيجية والتى تكاد تكون تحالفا بين مصر واليونان وقبرص خدمة لمصالح الدول الثلاث إلى الدرجة التى دفعتهما نحو الحرص على الإبقاء عليها وتنميتها لمواجهة التهديدات فى منطقة شمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط وفى مقدمتها الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتحديات التنمية، وعملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط، وتعزيز الاستثمارات المشتركة، وتنفيذ العديد من مشروعات التعاون الاقتصادى، وزيادة حجم التجارة البينية. وخلال السنوات الثلاث الماضية انعقدت الثلاثية بين الدول الثلاث خمس مرات، الأمر الذى يؤكد أن ذلك التحالف وجد لكى يبقى.
وكما هو الحال فى كل الزيارات الخارجية للرئيس السيسى والعلاقات التى ينميها مع الدول المختلفة، فإن المصلحة المصرية العليا سياسيا واقتصاديا كانت حاضرة بقوة فى زيارة قبرص. ذلك أن الزيارة شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية فى المجالات المختلفة بلغت 35 مذكرة تفاهم، من بينها 3 اتفاقيات تعاون فى مجالات الصحة والتعاون الأمنى والأعمال والاقتصاد الرقمي، كما تم إنشاء مجلس الأعمال المصرى القبرصى بما يتيح لرجال الأعمال فى الدولتين التعرف على الفرص الاستثمارية والدخول فى شراكات استثمارية، كما تم استكمال الاتفاق على استيراد مصر للغاز من قبرص عبر أنابيب فى البحر المتوسط، مع تأكيد الآفاق الكبيرة الممكنة للتعاون فى مجال الطاقة بصفة عامة. إضافة إلى توقيع اتفاقية ثلاثية فى مجال السياحة، تضم كلا من مصر وقبرص واليونان بهدف تنشيط السياحة بين تلك الدول. مجمل تلك الاتفاقيات ومذكرات التفاهم سينعكس بدون أدنى شك على الأوضاع الاقتصادية فى مصر، إذ إنها تمثل محاولات لفتح مزيد من فرص العمل، وإعطاء دفعة للقطاعات المهمة فى الاقتصاد خاصة السياحة. أما فيما يتصل بأمن الشرق الأوسط، فكما أكد الرئيس السيسى، فإن اكتشافات الطاقة فى شرق المتوسط يمكن أن تكون عاملا مهما لتحقيق الاستقرار والسلام بما يعود بالنفع على دول وشعوب المنطقة، كما يمكن أن تسهم فى تلبية احتياجات القارة
الأوروبية لتنويع مصادرها من الطاقة بما سيساعد فى تحقيق أمن الطاقة. بمعنى آخر فإن الرئيس يؤكد أن التحالف المصرى القبرصى اليونانى لا يعنى فقط بالمصالح المباشرة لتلك الدول، بل إنه يعنى أيضا بمصلحة دول الشرق الأوسط والدول الأوروبية. وفى هذا السياق قال الرئيس السيسى فى كلمته بالقمة الثلاثية «تدركون أن آلية التعاون بين بلادنا بدأت بهدف تعزيز التعاون الاقتصادى وترسيخ العلاقات السياسية المستقرة بين دولنا، إلا أننى أستطيع أن أؤكد وكلى ثقة، أن تلك الآلية تحولت منذ إطلاقها من القاهرة فى ١١ نوفمبر ٢٠١٤، إلى أحد أهم أركان الحفاظ على الأمن والاستقرار فى منطقة شرق المتوسط.. وأضاف أن تلك الآلية تستهدف استمرار دور بلادنا فى المستقبل لضمان أمن واستقرار المنطقة ورخاء شعوبنا». وأخيرا فإنه لابد من الإشارة إلى نقطتين غاية فى الأهمية:
الأولى، أن الاستقبال والتقدير اللذين حظى بهما الرئيس السيسى فى قبرص على المستويين الرسمى والشعبى، هو دليل إضافى على نجاح السياسة التى اتبعها الرئيس خلال السنوات الثلاث الماضية لإعادة مصر إلى مكانتها الطبيعية. فالرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادس كان حريصا على ألا يخاطب الرئيس السيسى بدون الصديق أو الأخ العزيز تعبيرا عن قوة العلاقة بينهما على نحو ما أكد الكاتب الكبير كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، كما تبادل الرئيسان أعلى الأوسمة فى بلديهما، وهما قلادة مكاريوس الثالث للرئيس السيسي، وقلادة النيل للرئيس أناستاسيادس. أما الاستقبال الشعبى – علاوة على استقبال الرئيس فى جلسة خاصة عقدها البرلمان القبرصى – فقد لمسه الوفد الرسمى والصحفى المرافق للرئيس وعكسته وسائل الإعلام القبرصية.
الثانية، إنه إذا كانت الرسالة الأساسية لمشروع بركة غليون والمشروعات القومية الأخرى التى يجب على الجماعات الإرهابية والدول المناوئة لمصر ومكانتها الإقليمية معرفتها هى أن مصر ماضية فى طريق التنمية مهما كانت التحديات وأن كل ما يبذلونه لتعطيل مسيرة التنمية فى مصر لن يثنيها عن ذلك الطريق، فإن الرسالة الأساسية لتعميق التعاون والتحالف مع قبرص واليونان يجب أن تتلقفها كل من تركيا وإسرائيل. فتركيا تستهدف الدول الثلاث وإسرائيل تسعى للوجود فى ملف الغاز بشرق المتوسط من خلال سعيها الحثيث للدخول فى علاقة إستراتيجية مع كل من اليونان وقبرص فى محاولة منهما (تركيا وإسرائيل) لتوجيه دفة الأمور فى الشرق الأوسط لما يخدم مصالحهما بصرف النظر عن تداعيات ذلك على مصالح الدول الأخرى وعلى الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.
المخابرات العامة تضرب مجددا
الكشف عن شبكة التجسس المتورط فيها عملاء يعملون لمصلحة تركيا ومخططها مع جماعة الإخوان الإرهابية للاستيلاء على السلطة كان متوقعا ومفاجئا فى نفس الوقت. كان متوقعا من زاوية أنه لا يوجد أدنى شك لدى المصريين أن المخابرات العامة المصرية بقدراتها وإمكاناتها وتاريخها الحافل بالإنجازات والتصدى للمؤامرات التى تحاك ضد الوطن قادرة على الكشف عن شبكات التجسس وتأمين الدولة من تداعيات مثل تلك الأعمال التى لا تقل فى خطورتها عن العمليات الإرهابية التى يقوم بها من تعمل تلك الشبكات لمصلحتهم فى إطار من تقسيم الأدوار فى الحرب التى تستهدف مصر خلال السنوات الست الماضية. بتعبير آخر فإن المصريين وهم يثقون فى مؤسسات دولتهم وقيادتها مؤمنون بأن مصر مستهدفة وأن الحرب لم تنته بعد والذين يدركون جيدا معنى تأكيد الرئيس السيسى المستمر على ضرورة تثبيت الدولة وتجهيزها لمواجهة المخاطر التى تحدق بها، فإنهم لم يفاجأوا بالكشف عن شبكة التجسس بل ويتوقعون الكشف عن المزيد منها تماما كما يتوقعون وقوع عملية إرهابية كلما أحرزت مصر تقدما ما فى أى مجال. ولنتذكر جميعا تحذير الرئيس السيسى فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية من محاولات إفشال الدولة. وفى مقابل ذلك فإن الكشف عن شبكة التجسس فاجأ بكل تأكيد جماعة الإخوان وأخواتها من الإرهابيين والدول التى تدعمهم وتسلحهم وتدربهم وتخطط لهم. المفاجأة مصدرها توهمهم أن انشغال مصر بمحاربة الإرهاب على الأرض وانشغالها بمعركة التنمية وانخراطها فى تسوية الأزمات المتفجرة فى المنطقة فى إطار استعادة دورها الإقليمى الحقيقي، توهموا أن كل تلك الأعباء كفيلة بإشغال مصر عن حماية جبهتها الداخلية من الاختراق.
إن مخطط «الإرباك والإنهاك والحسم» الذى شارك فيه عناصر من المخابرات التركية وعناصر من التنظيم الدولى للإخوان يهدف إلى تمكين الإخوان من الاستيلاء على السلطة مجددا، وارتكز المخطط أولا على جمع المعلومات عن الأوضاع فى مصر من خلال مراقبة وتسجيل مكالمات المصريين لمعرفة توجهاتهم إزاء تلك الأوضاع مستخدمين فى ذلك وسائل تكنولوجية حديثة تولت العناصر التركية توفيرها وتأمينها وتسهيل عملها من خلال «خوادم» موجودة فى تركيا. وارتكز ثانيا على إنشاء منابر إعلامية بالخارج تعتمد على ما يتم تمريره إليها مما يتم تسجيله من مكالمات لتأليب الرأى العام وزيادة مساحة الاحتقان والإحباط لدى المصريين والتأثير على ثقتهم فى مؤسسات الدولة، تمهيدا للحظة التى يتحركون فيها ضد الدولة فيجدون دعما شعبيا أو عدم ممانعة على نحو ما كان إبان استيلائهم على الدولة قبل خمسة أعوام.
نحن إذن أمام قضية تخابر مكتملة الأركان بما اقتضى صدور قرار النائب العام بحبس ٢٩ عنصرا من عناصر شبكة التجسس، واقتضت اعتبارات الأمن القومى – كما أكد بيان الإعلان عن ضبط الشبكة – الاكتفاء بما تم الإعلان عنه بما فى ذلك الامتناع عن ذكر أسماء المتورطين فى القضية حتى الآن. الأمر الذى يعنى أننا إزاء المشهد الأول وأن الأمر لن يتوقف عند ذلك الحد، وأن الأيام القادمة ستحمل الكثير من التفاصيل بشأن ارتباطات تلك الشبكة داخليا وخارجيا، وعلاقتها بقضايا تخابر سابقة تورطت فيها جماعة الإخوان، وربما علاقتها بالعمليات الإرهابية والاغتيالات التى نفذتها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية. بتعبير آخر، فإن القضية أبعد وأهم من مجرد الكشف عن شبكة للتجسس، ومن ثم، فعلى الإعلام – كما طالب البيان وكما تفرض اعتبارات المهنة فى مثل تلك الحالات – الالتزام عند تناوله للقضية بالدقة البالغة وعدم الوقوع فى شرك الدعاية المضادة والأخبار المغلوطة والمدسوسة التى ستكثر فى الفترة المقبلة، فالقضية هى قضية أمن قومى بامتياز.
بالأمس القريب ضربت – وما زالت – القوات المسلحة ومعها الشرطة الجناح الميدانى (العملياتي) للإرهاب، واليوم ها هى المخابرات العامة تواصل ضرب الجناح المعلوماتى له، فتحية لكل الرجال الساهرين على أمن مصر.
الأهلى والزمالك .. التغيير والاستمرار مطلوبان
بدأت بالأمس انتخابات مجلس إدارة نادى الزمالك وبعد أيام ستجرى انتخابات النادى الأهلي. وقد استحوذت الانتخابات فى الناديين الكبيرين على معظم إن لم يكن كل الاهتمام رغم أن أندية كثيرة تشهد مثل تلك الانتخابات وهو ما أراه طبيعيا ومعبرا عن مكانة الناديين فى الرياضة المصرية. ولكن ما لا أراه طبيعيا هو تلك الحملة الانتخابية التى دارت رحاها فى الأسابيع الأخيرة. فالإنفاق والدعاية للانتخابات جاءت وكأنها حملة لانتخابات برلمانية وليست فى حدود أسوار وأعضاء النادي. واللافت هنا أن رئيس نادى الزمالك رأى أن إنجازاته خلال فترته السابقة كافية للدعاية له واقتصر تقريبا فى دعايته على التواصل مع أعضاء النادي، بينما كان لرئيس النادى الأهلى رأى آخر، حيث اعتمد على الدعاية المكثفة خارج النادى وعبر وسائل الإعلام واللافتات فى الشوارع وأعلى الكبارى فى العاصمة، وهو نفس الأمر الذى فعلته القائمة التى تنافس رئيس نادى الزمالك، بينما بقيت القائمة المنافسة لرئيس النادى الأهلى متمسكة بالدعاية عبر التواصل مع أعضاء النادى وطرح أفكارها وبرنامجها عليهم. ومن خلال متابعة تلك الحملة والبرامج التى طرحت أو تم التسويق لها يبدو واضحا أن أعضاء نادى الزمالك غير مقتنعين بفكرة التغيير وأنهم فى سبيلهم للتجديد للمستشار مرتضى. أما فى النادى الأهلى ورغم أن قائمة المهندس محمود طاهر شعارها معا، فيبدو واضحا أن أعضاء النادى لا يشاركونه الاعتقاد فى قدرته على العمل وفقا لذلك الشعار، وأعتقد أن حملته تتحمل المسئولية الكاملة عن ذلك، خاصة فى ظل الهجوم الذى تتعرض له قائمة محمود الخطيب الذى يراهن على شعبيته الجارفة ليس فقط داخل النادى بل وبين جماهير الكرة المصرية عامة، ويراهن على ضرورة التمسك بقيم ومبادئ النادى الأهلى ومن ثم جاء شعار حملته «مجلس إدارة بروح الفانلة الحمراء»، وهو الرهان الذى تعرض لكثير من الهجوم من القائمة المنافسة دونما سبب منطقي.. كل ذلك يدفع لتأكيد أنه إذا كان التغيير مطلوبا فى الأهلي، فإن استمرار المجلس الحالى ما زال مطلبا ملحا فى الزمالك.