اعتدت أن أتعامل مع الكلمات بمقياس يتجاوز فى دقته مقياس الذهب، أحاول بقدر المستطاع أن أستخدم الكلمات بأكبر قدر من الدقة وفى حدودها المرسومة. اعتدت أن أحترم الكلمة، وأقدس قيمتها وقدرها.
لكن ما رأيته مؤخرًا هو حالة من التربص والتشويه والاتجار تمارسها مجموعة تمتلك مساحات للتعبير فى نوافذ عديدة. لم أكن أتصور أو أتوقع أن يتاجر البعض بالكلمات، أو أن تُستغل لتحقيق أهداف صغيرة وشخصية. لم أكن أتمنى أن أواجه مثل هذه النماذج، لكنه تحول إلى واقع يمارسه بعض ممن يسمون أنفسهم أصحاب رأى داخل المجتمع وهم فى الحقيقة تُجاره، يعرضونه للاستخدام بأبخس الأسعار، وذلك فى الوقت الذى يجب فيه أن تكون الكلمة على قدر كبير من القوة. فى وقت يجب على كل من يمتلك مساحة للتعبير أن يكون معبرًا بشكل حقيقى عن الواقع المعاش، وما نلقاه من تحديات، وأن يكون كاشفًا عن كل ما يتم من إنجازات.
تصورت فى السابق أن هذه هى الطريق لإنقاذ الدولة واستكمال إعادة بنائها وتخليصها تمامًا من آثار عمليات الهدم و«الأخونة» التى مرت بها وما زالت تعانى من آثارها، والاستيلاء على مفاصلها ومقدراتها، ومستقبلها. تمنيت أن يكون تصورى سليمًا بميزان العقل، وميزان الكلمة.
للأسف يمكن أن نلمح وجود مجموعتين سلبيتين، أصبح لهما وجود نسبى فى مساحات التعبير، المجموعة الأولى هى تلك المجموعة التى بدأت وجوهها بأقنعة ليست لها، إذ بدا الأمر وكأن الزمن نجح لفترة طويلة فى أن يضع وشوشًا مصنوعة على وجوه الكثيرين، وكأنها باتت وجوههم الحقيقية، ويبدو أيضًا أن الكثير من الناس تمكنوا من أن يواصلوا حياتهم بهذه الأقنعة، فيعيشوا ويناموا ويتعاملوا مع الناس بها.
ربما لا تسمح تطورات الحياة بأن تسقط هذه الأقنعة لتظهر الوجوه الحقيقية، وفيما يبدو أيضًا أن هذه هى الحالة الأكثر حضورًا، ولكن هناك حالات تمرّ بها المجتمعات تكون بحق حالات قادرة على إظهار المعادن الحقيقية للبشر، وتقذف بالأقنعة بعيدًا لتظهر الوجوه الحقيقية لأصحابها، وتكشف أيضًا كم هم قليلون من الناس الذين استطاعوا العيش بلا قناع بل بوجه حقيقى.
المجموعة الأخرى هى تلك التى احترفت العيش فى كل الأجواء والعصور، وتمكنت دومًا أن توظف ما لديها من علاقات ومساحات تعبير لتوظفها فى النهاية من أجل مصالح شخصية ضيقة، وتصغر هذه المصالح وتكبر، فتبدأ من استفادات مادية كبيرة وقد تصغر حتى دعوة غداء وما بينهما. لم يعد غريبًا، ولكن يظل صادمًا، وجود مثل أولئك الذين احترفوا مثل ذلك السلوك واحتموا وراء أسمائهم التى لا يؤمن بقيمتها غيرهم وادعاءات بتاريخ ومهنية لا يراها سواهم. ويظل المجتمع والمهنة تدفع الثمن.
حمى الله الوطن والمهنة من هذه النماذج.