أقلام حرة

المعادلة الصفرية تدمر شعوب النيل

ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى مؤتمره الصحفى، أمس الأول، الخميس، مع رئيس وزراء إثيوبيا هيلا ميريام ديسالين، بمثابة وثيقة وخارطة طريق تنير العلاقات بين دول حوض النيل، وتأخذ هذه العلاقة إلى المستقبل، بعيدا عن أى مؤثرات أو خلافات يمكن أن يكون لها صدى على علاقات الشعوب.

الرئيس قال إن نموذج التعاون فى حوض نهر النيل لا يجب أن يكون بأى شكل من الأشكال «معادلة صفرية»، وإنما قاطرة لتحقيق التنمية والرخاء لشعوبنا، من خلال التعاون وتفهم شواغل الطرف الآخر، لا سيما حينما تتعلق تلك الشواغل بشريان الحياة الرئيسى للشعب المصرى الذى يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، ويعتمد بشكل رئيسى على هذا النهر كمورد للمياه.

المعادلة الصفرية هى ما نخشاه بل نرفضها تماما، لأنها تعنى أن الجميع سيخسر بينما نحن نبحث عن آليات تحقق المكاسب للجميع وليس الخسارة، والمكسب لن يتحقق إلا بالتعاون الذى يحقق التنمية، ويتلافى أى أضرار قد تلحق بالطرف الآخر، لذلك كان الرئيس واضحا حينما أردف حديثه السابق بتأكيده أن لدى مصر قلق من استمرار حالة الجمود التى تعترى المسار الفنى الثلاثى لسد النهضة المعنى بإتمام الدراسات المتفق عليها لتحديد الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة للسد على دولتى المصب وكيفية تجنبها، وهو ما يستدعى أن يتدخل الجانب الإثيوبى للتهدئة، من خلال العمل مع مصر والسودان فى أسرع وقت ممكن على تجاوز حالة الجمود الحالية لضمان استكمال الدراسات المطلوبة، باعتبارها الشرط الذى حدده اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، للبدء فى ملء الخزان وتحديد أسلوب تشغيله سنويا.

مصر قلقة لكنها لا تتصرف برعونة وإنما تتكلمها الحكمة فى كل خطوة تخطوها، لأنها تدرك جيدا عواقب أى تسرع أو رعونة خاصة ضد الأشقاء، مصر تغضب لكنها لا تتآمر، ومن هنا فإنها تكرر دوما للجميع نداءات الحق والواجب، بان لشعوبنا حق فى الحياة، فلا يجب أن نحرمهم منها، والمياه هى مصدر الحياة وبالنسبة لمصر فإن نهر النيل هو الشريان، الذى لا غنى عنه، وهو ما تدركه جيدا إثيوبيا لكن قد تأتى فترات تتدخل السياسة ولغة المصالح الضيقة وتقف عائقا أمام التنمية ومصالح الشعوب، وهنا يجب أن نعود سريعا إلى الأصل، لأن الخلاف ما هو إلا طارئ لا مكان له فى حياتنا، الأصل هو أننا أشقاء، ودائما ما تؤكد أثيوبيا حرصها على عدم الإضرار بمصالح مصر المائية، إلا أنه من الضرورى أن ندرك أن السبيل الأمثل والوحيد لترجمة ذلك هو أن يكون النيل شريان الأمل لكل دول الحوض، وليس منبع الخلاف، فليس معقولا ولا مقبولا أن تتسبب دراسات فنية فى قطيعة سياسية بين بلدين وشعبين، ولا يجب أن تقف الحياة عند هذه النقطة، فالحكومة الإثيوبية عليها أن تطبق أحاديثها على الأرض وأن تساعد فى استكمال الدراسات الفنية المطلوبة والخاصة بسد النهضة والالتزام بنتائجها، بما يضمن تجنب أى آثار سلبية للسد على دولتى المصب.

مصر وإثيوبيا أمتان وحضارتان أفريقيتان عريقتان، تربطهما علاقات تاريخية ممتدة عبر آلاف السنين، ويجمعهما نهر النيل العظيم الذى كان وما يزال رابطاً للتكامل والتعاون ومصدراً رئيسياً للحياة لشعبى البلدين، ولا خلاف على أن الرئيس السيسى منذ انتخابه رئيسا لمصر فى 2014 هو يولى اهتماما خاص بالقارة الأفريقية، وتحديدا الأشقاء فى إثيوبيا، وهى الرسالة التى وصلت إلى كل المؤسسات المصرية، وأيضا القطاع الخاص المصرى الذى أبدى اهتماما خاصا بزيادة استثماراته فى السوق الإثيوبى، وفى نفس الوقت أعتقد أن الإثيوبيين لديهم حرص على علاقات قوية مع الحكومة والشعب المصرى، وأنهم لن يخضعوا مطلقا لكل المغريات الخارجية التى تأتيهم كل يوم ويشجعونهم لمعاداة مصر، فإثيوبيا أعقل من أن تكون رأس الحربة ضد مصر، ولن تقبل أن يستخدمها البعض لتصفية حسابات مع المصريين.

نحن فى مصر ندرك جيدا أهمية أن تمون لنا علاقات قوية مع أشقائنا الأفارقة، وأن نكون سندا لبعضنا البعض، وأعتقد أن هذا الفهم يسيطر أيضا على عدد ليس بقليل من القادة الأفارقة ومن بينهم قادة دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا ممن يدركون جيدا أن مصر لن تقبل مطلقا الأضرار بمصالح أحد منهم، وفى نفس الوقت تنتظر من هذه الدول أن تعاملها بنفس المنطق، لأننا نؤمن منذ البداية أن نهر النيل لا يمكن أن يكون هدفا للتنافس أو الصراع بين الدول بل أداة للتكامل والبناء والتنمية.

زر الذهاب إلى الأعلى