جامع حيدر فى مدينة باكو عاصمة أذربيجان، هو أكبر مسجد بجنوب القوقاز، ارتفاع سقفه يصل إلى ٥٥ مترا، أما ارتفاع منارته فيصل إلى ٩٥ مترا. هذا المسجد افتتحه رئيس أذربيجان، إلهام علييف عام ٢٠١٤، ويستوعب سبعة آلاف مصلٍّ.
مساء الجمعة الماضية زرت المسجد برفقة المستشار الثقافى المصرى الدكتور أحمد سامى العايدى، ووفد مصرى مكون من ستة صحفيين مصريين. لم يلفت نظرى فقط الفخامة أو النمط المعمارى المميز للمهندسين المحليين، أو السجاد التبريزى، أو الساحة الكبيرة امام المسجد والتى تطل على بحر قزوين. ما لفت نظرى أن هذا المسجد يصلى فيه السنة والشيعة معا كل يوم جمعة، أو فى الأعياد فى القاعة الرئيسية، فى حين أن الصلوات الخمس اليومية تتم فى المسجد الموجود بالدور الأرضى.
صلاة الجمعة الأسبوعية، فى هذا المسجد يطلقون عليها صلاة الوحدة، وتتم بالتناوب، أسبوع على الطريقة السنية، وآخر على الطريقة الشيعية.
عندما دخلت المسجد، مع زملائى، لم أتفاجأ كثيرا، لأننى أديت فى نفس اليوم صلاة الجمعة فى مسجد كبير بالعاصمة باكو، يسمى بالمسجد الأزرق. وعلى الرغم من أنه مخصص للطائفة السنية، فإن ذلك لا يمنع الشيعة من الصلاة فيه.
الخطيب يتكلم ويخطب باللغة الأذربية، لكنه بالطبع يقرأ القرآن بالعربية، وخطبة الجمعة الماضية تطرقت لموضوعات كثيرة، كان من بينها دور وسائل التواصل الاجتماعى، وفوائدها من جهة، وخطورتها على الاستقرار، وإرباك الدولة من جهة أخرى، طبقا لما حكاه لى أوميد ميرزاييف رئيس المؤسسة الأوراسية الدولية للصحافة.
المسجد كان مليئا بالكامل، وهناك مصلون كثيرون لم يجدوا مكانا فظلوا واقفين، حتى تمت إقامة الصلاة.
لفت نظرى أكثر أن الناس يتحدثون فى أثناء خطبة الجمعة التى لم تستغرق سوى ١٢ دقيقة تقريبا، ورأيت شخصا يتحدث فى الموبايل، قبل إقامة الصلاة مباشرة. وعندما سألت عرفت أن ذلك ربما يرجع فى جزء كبير منه إلى التأثيرات السوفيتية، التى ظلت مسيطرة،على البلاد لأكثر من سبعين عاما.
لا أعرف بلدانا أخرى تطبق النموذج الأذربيجانى فى بلد يقول الشيعة إنهم سبعون فى المائة منه، فى حين يؤكد السنة أنهم نصف عدد السكان، البالغ عشرة ملايين نسمة، أو أقل قليلا، علما بأن المسلمين يشكلون أكثر من ٩٢٪، والباقى مسيحيون ويهود، وديانات صغيرة أخرى.
فكرة أن يصلى السنة والشيعة فى مسجد واحد، وخلف إمام واحد، مثيرة للانتباه، فى ظل أن مناطق كثيرة فى وطننا العربى صارت تقتل الناس على هوياتهم المذهبية، أو أسمائهم، فمن كان اسمه عمر أو عثمان، ومر فى منطقة شيعية، فقد يقتل، والأمر نفسه إذا كان اسمه على أو حسين، فى مناطق سنية.
السؤال الذى شغلنى، وسألته لكثيرين ممن قابلتهم، هو: كيف نجح هذا النموذج فى أذربيحان؟
أولا هم يقعون فى منطقة حساسة، بين قوتين كبيرتين روسيا وإيران، ودولة ثالثة هى أرمينيا، التى تحتل إقليم كارباخ ومناطق أخرى تشكل ٢٠٪ من مساحة بلادهم، وبالتالى، ليسوا فى حاجة لمزيد من المشكلات.
لديهم ضريح لإسماعيل شاه الصفوى، أصله أذربى، وهو مؤسس الدولة الشيعية،، وأدخل المذهب الشيعى لإيران، التى كانت سنية، خصوصا بعد معركته الدامية مع الدولة العثمانية، لكنهم يقولون إن بعض السنة يزورونه أيضا.
قالوا لنا أيضا إن زعيما سنيا كبيرا طلب قبل وفاته أن يدفن، بجوار أحد قادة الحركة الخلوتية الصوفية. هم يقولون إن هذا الأمر يتكرر كثيرا.
سألت دبلوماسيا أذربيجانيا مهما خدم فى المنطقة العربية طويلا ويتحدث العربية بطلاقة: كيف نجحتم فى تحقيق التوافق الطائفى وأنتم قريبون من صراعات طائفية صعبة؟!
قال: «إن ٩٥٪ من الشعب غير مهتم بانتمائه الطائفى، وأنا شخصيا سألت والدتى منذ سنوات طويلة: هل نحن سنة أم شيعة، فقالت جدك كان سنيا، وجدتك شيعية، هناك ٥٪ فقط يحاولون اللعب على الأوتار الطائفية، والدولة تتابعهم جيدا، وتقول لهم لنركز على أننا جميعا أذربيجانيون».
كما أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووجود فرص عمل لا تسمح لكثيرين بالتفرغ للخناقات والصراعات الطائفية.
فى تقدير السفير فإن أعداد الشيعة والسنة متساوية تقريبا، ومن حسن الحظ، فالغالبية تتمتع بالتسامح والانفتاح وعدم التعصب».
عندما انتهى كلام الدبلوماسى، قلت فى نفسى، هل تنتقل العدوى الأذربيجانية إلى إيران ومنطقة الخليج والشام، حتى نخرج من هذه المأساة؟!