خلال الأسبوع الماضى، تناقل عدد من مستخدمى واتس آب، حالة تقول: «إن واتس آب ستصبح مراسلاته مدفوعة الأجر، إذا كان لديك أى ثلاثين عنوانا على الواتساب أرسل لهم هذه الرسالة، وبهذه الطريقة سيتم اعتبارك مستعملا مواظبا على الواتس آب، وفى حال عدم قيامك بذلك فسيصبح استعمال الواتساب بمقابل مالى»، هذه الرسالة الساذجة وجدت طريقها لمئات من مستعملى التطبيق، بالرغم من أنها، وبنصها، قد سبق وتم نشرها وإرسالها لعدد كبير من مستخدمى فيس بوك، وهى رسائل موسمية يتداخل فيها الهزل بالمؤامرة.
وبالرغم من سذاجة وسطحية وركاكة الرسالة، إلا أنها ذهبت لعدد كير من المستخدمين، بما يشير إلى أن عددا كبيرا صدقها، وأعاد إرسالها لثلاثين آخرين، أملا فى الحصول على الإعفاء المجانى، وهو تقريبا نفس ما جرى مع فيس بوك، الخلاصة أن هناك دائما من هم على استعداد لتصديق مثل هذه الرسائل الساذجة، ومنهم من يساهم فى انتشار وشيوع الأخبار المزيفة، ويساهم فى صناعات التريند، بفضل قابليته لتصديق أى شىء، حتى لو كان خارج العقل والمنطق.
وقبل سنوات، شاعت رسالة تقول: «أنا فلان الفلانى لم أعط فيس بوك الحق فى توظيف بياناتى الشخصية»، والواقع أن الرسالة لا قيمة لها، ولا فائدة، لأنها لا تمنع من الاعتداء على الخصوصية، وهى مثل رسائل واتس آب، عن المجانية، مجرد نوع من «الهبد» يسير وراءه من هم جاهزون لمنح أى شىء انتشاره، حتى لو كانت الأخبار المزيفة.
وقد طرحت هذا الأمر للنقاش فى كتاب «السيبرانى»، فى فصل « الأخ الأكبر فى جيبك»، باعتبار أن من يستخدم فيس بوك وجوجل، هذه المواقع تستخدمه، وان المستخدم يتشارك معلوماته الشخصية مع عشرات الملايين فى العالم، وتصبح هذه المعلومات شائعة، فضلا عن أن المواقع تستعمل خوارزميات تتعرف على مزاج كل واحد ومطالبه وهواياته، ونوعية البوستات التى يفضلها ويضع لايك أو يعلق عليها، فضلا عما يفضل مشاهدته أو الاستماع إليه، بما يعنى أن كل واحد منا طالما يستعمل أدوات التواصل فهى تستعمله، وتربط بين تحركاته ومحادثاته وسلوكه على صفحات التواصل، بما يسهل اختيار الإعلانات والدعايات التى تتناسب مع كل شخص بناء على تحليل كامل لسلوكه.
وكل هذا يعنى أنه لا خصوصية لشخص يقدم معلومات كاملة عن نفسه كل لحظة، وحتى وهو نائم، وهو نوع من الجاسوسية الطوعية، وهذا لا يعنى أنه لا يوجد من يضيف أنواعا من التجسس، لكن يشير إلى أن الملايين يمكنهم التعرف على ما يقدمه كل أحد عن نفسه.
يضاف إلى ذلك، أن هذه الشركات العملاقة للتكنولوجيا مثل جوجل، وفيس بوك، وتويتر، وغيرها، تتوسع وتتجه إلى نوع من الاحتكار والتحكم، لدرجة أن واتس آب المملوك لـ«فيس بوك»، أعلن قبل أيام عن تحديث سياسة الخصوصية الخاصة به، وتتضمن مشاركة بيانات واتس آب مع شركات فيس بوك، وهو أمر أثار الغضب، وتزامن مع منع دونالد ترامب من التغريد، أو نشر بوستات أو فيديوهات، لأن يوتيوب مملوك لجوجل، وهو أمر ارتبط بمعركة سياسية، لكنه كشف عن توحش واحتكار هذه الشركات، بشكل يجعلها تفرض سياسات من دون أن تكون للمستخدم قدرة على الاعتراض، بينما البدائل ضيقة وبعيدة حتى الآن، ما يجعل المستخدم تحت ضغط الانتهاك والاعتداء والاحتكار.