لا أعرف لماذا تصر الجماعة الإرهابية على الاستمرار فى خداع عناصرها وشبابها بوهم العودة من جديد، وتحرضهم على مواصلة عملياتهم «الخايبة» فى تشويه الدولة المصرية، وكأن هذا هو الذى سيفتح لهم طريق العودة، فالمثل الشعبى الذى تربينا عليه «إن كان المتحدث مجنون فلابد أن يكون المستمع عاقل» وإذا كان قيادات الجماعة والمقيمون فى تركيا مجانين بحلم العودة وتسيطر عليهم أوهام النصر بعد أن خلعهم الشعب وطردهم من حكم مصر التى لا يستحقون الانتماء لها أو حتى مجرد الإقامة على أرضها، فالأولى بشباب الجماعة أن يفوقوا من غفوتهم وأن يستعيدوا رشدهم ويدركوا أن أوهام قيادات جماعتهم لا أصل لها فى الواقع، بل هى مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء، وقيادات جماعتهم ظمأى للسلطة لكن النهر الذى كانوا يروون منه أطماعهم فى السيطرة على مصر قد جف بعد أن أدرك المصريون حقيقتهم وكذبهم وحقارة رسالتهم وسوء نواياهم لهذا البلد، فلفظوهم وكرهوا حتى سيرتهم ولعنوا اليوم الذى عرفوهم فيه.
أولى بشباب الجماعة المخدوعين أن يدققوا النظر حولهم بعيون أخرى لا تعميها عصابة الجماعة، وأن يفكروا بعقول متحررة لا تسيطر عليها أفكار البنا وسيد قطب وبديع، عليهم أن يتحرروا من كل هذا ليروا الحقيقة التى يعيشون فيها، وليتأكدوا أنهم أصبحوا هم وجماعتهم بلا قيمة ولا تأثير، بل مجموعة من المنبوذين فكرا وأشخاصا، لن يستمع إليهم أحد، ولن يقبل منهم دعوة، فلم يعد الشعب المصرى قابلا للخداع مرة أخرى ولن يفرط فى دولته من جديد، سيتمسك بها حتى آخر رمق، سيدافع عنها ضد هذه الجماعة وشرورها حتى وإن تطلب الأمر التضحية، فمن اكتوى بالنار لن يفكر فى إشعالها مرة أخرى، والمصريون لسعتهم نار الفوضى الإخوانية وخنقهم دخان الكذب الذى كانوا يروجونه، لم يعد لدى المصريين قبول لتلك الجماعة أو عناصرها أو حتى لكل من اقترب أو تبنى دعواتها الكاذبة أو نسج على غزلها الخائن، وطوابير الاستفتاء تؤكد ذلك، وتكشف زيف رهان قيادات الجماعة الإرهابية وأبواقهم على أن المصريين لن يشاركوا أو سيستمعون لدعوات المقاطعة فى أى مناسبة وطنية، فالواقع أن الشعب هو الذى قاطع تلك الجماعة ورفض كل من يقف ضد دولته أو يتآمر عليها، وصور لجان الاستفتاء على مدى الثلاثة أيام، داخليا وخارجيا، لم تكن تكذب بل رسمت صورة حقيقية لشعب لا يفرط فى دولته، وإنما يقف فى ظهرها ويتحمل المشقة من أجلها، شعب أصبح يحتفل بالحبر الفسفورى، ويرفع أصبعه المغموس فى الحبر ليضعه فى عين الجماعة الإرهابية.
شعب يشارك بهمة لأنه يراه جزءا من حق الوطن عليه، لا فارق فى ذلك بين شاب ومسن، ولا بين رجل وسيدة، ولا بين مسلم ومسيحى، فالكل واقف فى الطابور يلبى نداء الوطن دون شروط أو أطماع، يكفيه فقط أنه يعيش فى وطن آمن يحافظ عليه، يحميه من الخوف الذى قتل شعوبا أخرى لم ترَ عيونهم النوم منذ سنوات، فلا يعلمون كيف ينامون وعلى ماذا يصبحون، لكن المصرى ينام مطمئنا، يعيش مستقرا، ينظر للمستقبل متفائلا، فكل ما حوله يؤكد أن القادم أفضل، وأن ثمار التعب والعرق سيحصدها المصريون المخلصون الذين تحملوا الصعب وصبروا على التحدى وقبلوا أن يكونوا فى صف بلدهم وبجانب جيشهم وداعمين لقيادتهم.
المصرى الآن يرى بعينه ما كانت الجماعة الإرهابية تشكك فى أنه سيراه، يلمس بنفسه التغيير الذى تحقق فى بلده، أدرك أن قيادته التى وثق فيها لم تكن تخدعه كما خدعته جماعة الكذب والإرهاب والقتل من قبل، بل كانت قيادته صادقة وهى تعد بالتغيير وبناء الدولة من جديد، كانت مخلصة وهى لا تعرف الراحة بل تواصل العمل ليل نهار من أجل الوفاء بما وعدت.
أعتقد أن كل شارد عن الوطن يملك بقية من عقل، إن كان هناك عقل من الأساس، عليه الآن أن يحاول استخدام هذه البقية من أجل أن يراجع نفسه ويتخلص من الأوهام التى عاش فيها ويعود إلى واقع الإجماع الوطنى الذى يقول إن مصر تحركت ولن يوقفها متآمر أو خائن، ولن ترجع إلى الوراء مرة أخرى، ولن يسمح شعبها أن يمسها أحد أو يقف فى طريقها، ومن لا يستوعب ذلك واهم فاقد الوعى والإدراك وربما ميت إكلينيكيا.