أقلام حرة

مقال لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( الخـلطة السـرية )

 

نشرت صحيفة المصري اليوم مقال لعبد الناصر سلامة بعنوان : ( الخـلطة السـرية ) ، وجاء كالتالي :

أعتقد أن هناك خلطة سرية تعيشها المحروسة، حكومةً وشعباً، منذ أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى الآن، فيما يتعلق بالدور المحورى المصرى عربياً وإقليمياً، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التى كان اسمها يوماً ما، قضية العرب الأولى، والتى بسببها قاطع كل العرب مصر، حينما بادر الرئيس السادات بقيام علاقات من نوع ما مع دولة الاحتلال إسرائيل، وقت أن كان اسمها العدو الصهيونى، وظلت الأوضاع على هذا النحو إلى أن تكشفت بعض الأسرار من صندوق كبير حافل بما هو أكثر مما لم يتم الكشف عنه حتى الآن.

يدور محور صندوق الأسرار أولاً وأخيراً حول محاولات عربية دؤوبة، وخليجية بصفة خاصة، للتقارب مع ذلك العدو، على الرغم من أن قضية العرب الأولى لم تراوح مكانها، بل يزداد الأمر سوءاً بمزيد من القتل على يد الاحتلال، ومزيد من إقامة المستعمرات، ومزيد من مصادرة الأراضى، إلى أن تم تتويج كل ذلك أخيراً بالاعتداء على المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، قبل إغلاقه فى سابقة هى الأولى منذ ٧٠ عاماً.

الخلطة السرية بدأت بتلك الهرولة على لقاء قادة الاحتلال، سواء فى الأرض المحتلة، أو فى نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، أو فى أى من العواصم الأجنبية، وكانت إسرائيل دائماً وأبداً هى التى تكشف النقاب عن مثل هذه اللقاءات فى الوقت الذى تراه مناسباً لتحقيق أهدافها، هناك من بين الدول المعنية من أرسلت عسكريين للتدريب فى معسكرات ومطارات دولة الاحتلال، هناك من المسؤولين العرب من ذهب إلى هناك، معتقداً أن الأمر سوف يظل سراً، هناك من ذهب للقاء فى نيويورك، متخفياً من باب الخدم بأحد الفنادق، هناك لقاءات مع قيادات مخابراتية كانت علنية أحياناً، هناك تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تؤكد وجود علاقات قوية غير معلنة مع عدد من العواصم الخليجية تحديداً.

كل ذلك وغيره أسفر عن فوبيا بدا أنه تم الإعداد لها بدقة، اعتبار المقاومة الفلسطينية عموماً إرهاباً، أسفر أيضاً عن اعتبار منظمة حماس إرهابية، أسفر أيضاً عن تصدع علاقات المنظمات الفلسطينية مع بعضها البعض، والتى وصلت يوما ما إلى المواجهة المسلحة، أسفر أيضاً عن الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، أسفر قبل كل ذلك عن تسميم الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، أسفر عن إغلاق معبر رفح إلا ما ندر، أسفر عن وقف المفاوضات الفلسطينية مع دولة الاحتلال تماماً، فى نهاية كل ذلك أصبحت القضية الفلسطينية قضية العرب الأخيرة!!، فى غياب العراق وسوريا قسراً بفعل الكوارث التى حلت بهما، وفى غياب مصر والأردن عن طيب خاطر بفعل الاتفاقيات الموقعة.

المهم أن الدور المصرى فيما يتعلق بهذه القضية تحديداً كان ضحية للخلطة السرية، التى جمعت الإرهاب، بجماعة الإخوان المسلمين، بحركة حماس، مما جعل العقل الجمعى- من خلال وسائل الإعلام- فى حالة ربط وخلط طوال الوقت بين القضية الفلسطينية وحماس، وبين حماس والإخوان المسلمين، وبذلك أصبحت فلسطين فى الذاكرة المصرية قضية الإخوان وحماس، وليست قضية مصر أو العرب أو المسلمين، مما جعل من الدفاع عن القضية شُبهة ترقى إلى حد الاتهامات بالأخونة أو حتى الإرهاب.

ثم كان ما كان من اعتداء صارخ على المسجد الأقصى أخيراً، فلم نسمع صوتاً رسمياً إلا على غرار (من فضلكم، احترموا مشاعر أصحاب الديانات الأخرى مع الحفاظ على أرواح الطرفين)، كما لم نسمع صوتاً شعبياً إلا ما ندر من خلال مواقع التواصل الاجتماعى وليس من خلال الشارع كما كان العهد سابقاً، ذلك أن الخلطة السرية استطاعت أن تجعل من المسجد الأقصى ملكية إخوانية أو حمساوية، أو حتى فلسطينية، فلم يعد يرقى إلى اعتبار الدفاع عنه تكليفاً إسلامياً، حتى بعد أن شاهدنا المسيحيين الفلسطينيين وهم يتصدون للدفاع بجانب إخوانهم المسلمين.

قمة الخلطة السرية هى ما يُحاك بالمنطقة الآن تحت عنوان صفقة القرن وتبادل أراضى وأشياء من هذا القبيل، تصب فى مجملها فى ضياع دولة فلسطين التاريخية لحساب الدولة اليهودية، فى مقابل إطالة عمر بعض العائلات الحاكمة فى المنطقة، وإطالة أعمار بعض الحكام الآخرين، وتصورات وهمية أخرى بمواجهة إيران، فى الوقف الذى يسير فيه مخطط قصف الأعمار بوتيرة متسارعة، ومخطط التقسيم إلى دويلات بوتيرة أسرع، فى غياب عقل عربى رشيد يمكن أن يبادر بتدارك الموقف.

المفترض أن كل هذه التفاعلات أكدت أن تراجع الدور المصرى بالمنطقة عموماً، جاء نتيجة التخلى عن القضية الفلسطينية أولاً، وهو ما أنتج سلسلة من التراجعات توالت فى سوريا لحساب إسرائيل، وفى العراق لحساب إيران، وفى اليمن لحساب السعودية والإمارات، وفى السودان لحساب قطر، مع رهان غير محسوب فى ليبيا، وهو الأمر الذى يؤكد أن الخلطة السرية استهدفت فى المقام الأول إنهاء دور مصر كقائد للمنطقة، حتى يمكن بعد ذلك الانفراد بكل قبيلة على حدة، إلا أن التاريخ سوف يكشف أن كل ذلك ما كان يحدث قبل الإطاحة بقادة المد القومى العربى، واستبدالهم بمجهولى الهوية قومياً ودينياً فى آن واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى