نشرت صحيفة المصري اليوم مقالاً للخبير الإعلامي سامي عبد العزيز بعنوان : ( إلى أين يصل بنا الإعلام؟ ) ، وجاء كالتالي :
دعونا ندخل فى الموضوع مباشرة: هل للشخص العام وللمسؤولين مجال خاص ومساحة خصوصية يجب أن يتم احترامها، ويجب أن تقف وسائل الإعلام بعيدة عنها؟ وهل المسؤول العام له الحق فى الاحتفاظ ببعض التفاصيل الحياتية بعيداً عن تغطية وسائل الإعلام وبعيداً عن تطفل وسائل التواصل الاجتماعى؟ وهل يكسب المجتمع أم يخسر عندما يتم اقتحام خصوصية المسؤولين، ويجعل حياتهم الخاصة مشاعاً؟ وكأن على كل مسؤول أن يتصدق بعرضه وبسمعته وبحياته الخاصة!!
الإجابة تتوقف على تعريف المسؤول العام، وعلى درجة الخلط بين المسؤول العام والشخص العام أو النجم المشهور Celebrity.. وما أكثر الأشياء التى نخلط فيها بين الأشياء!.. فى بلدنا يتم الخلط بين المسؤول والنجم المشهور، ويتم التعامل معهما بنفس المنطق.. وهذا هو الخطأ بعينه.. الناس تحب أخبار «أنجلينا جولى» وحكاياتها مع «براد بيت»، وتحب «أمل علم الدين» وقصة عشقها مع «جورج كلونى»، فهما مشاهير ونجوم، يسعى صحفيو الباباراتزى والإعلاميون «التقال» على حد سواء إلى تتبع أخبارهم ونشرها.. هم «نجوم»، لا فرق ولا فاصل بين حياتهم الخاصة وحياتهم العامة، فهى حيوات متداخلة، وشؤون متشابكة.. وهؤلاء النجوم يسعون إلى وسائل الإعلام لعرض تفاصيل حياتهم الخاصة إذا قصرت وسائل الإعلام عن ذلك.. حياة النجوم ملكية على المشاع، يسعى الجميع إلى التحلق حولها والاستمتاع بها!! ولكن الحياة الخاصة لكريستينا لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، وأنطونيو جوتيريس، أمين عام الأمم المتحدة لا تنطبق عليها نفس شروط النجوم.. اقتحام المجال الخاص لحياة هؤلاء الشخصيات يضر أكثر مما ينفع.. وهو ينطبق عليه المثل القائل: «علم لا ينفع، وجهل لا يضر».
فى بلادنا، لا يتم الفصل بين حياة المشاهير النجوم، وحياة المسؤولين ويتم النظر إليهم بنفس الطريقة.. هناك رغبة عامة فى التلصص، وفى استراق السمع، وفى النظر من عقب الباب فى حياة المسؤولين.. هناك استمتاع عام بالدخول فى غرف نوم المسؤولين، وفى مشاركتهم الحياة غصباً وقهراً.. وذلك تحت دعوى الشفافية، وتحت دعوى أن كل ما يخص المسؤول العام هو شىء عام!! وبعض وسائل إعلامنا تمارس «التضليل العام» بنشرها الأخبار الخاصة مزيفةً ومشوهةً لغرض فى نفسها، وليس لتحقيق المصلحة العامة أو التنوير المجتمعى.
كثير من مدعى «التنوير» فى وسائل إعلامنا يتحولون إلى كتائب «إظلام» عندما يخوضون فى عرض المسؤولين الجادين ويجعلونهم يضيعون أوقاتهم فى الرد على تلك الأقاويل العامة والمرسلة التى يرددها البعض زوراً وبهتاناً ورغبة فى الإثارة وجذب انتباه الجمهور.. بعض وسائل إعلامنا ترتكب الخطيئة أمام أعين الجميع، ولا يحاسبها أحد، ولا يردعها شىء، ولا يوجد لديها ضمير مهنى يجعلها تركز على قضايا الوطن أكثر من قضايا الترافيك والانتشار!! بعض وسائل إعلامنا تقوم على أحاديث الغيبة والنميمة، وليست على الحقائق والأخبار الصحيحة.
اقتحام الحياة الشخصية للمسؤولين له آثاره الضارة على المجتمع أكثر من آثاره النافعة… هناك إحجام عام عن المشاركة فى العمل العام، بدأ فى الظهور فى السنوات الأخيرة.. مئات من الكفاءات رفضت قبول مناصب عامة ومسؤوليات بسبب هذا الاقتحام المحتمل لحياتهم الخاصة.. ومن قبل منهم من أصبح وقته وجهده موزعاً بين مسؤوليات العمل، ومسؤوليات الحفاظ على «عرضه العام» من التلوث، ومن الاقتحام.. المسؤولون يعرفون أن الإنجازات التى يحققونها ليست شفيعاً لهم، والخدمات التى يقدمونها ليست حامية لهم ضد محاولات تلويث السمعة، ومحاولات التدخل فى حياتهم الشخصية.. المسؤولون فى بلادنا «غلابة» إذا تعلق الأمر بحياتهم الخاصة التى لا يحميها قانون، ولا يسترها ضمير الإعلاميين!!
تعلمنا من التجارب أن مواثيق الشرف الإعلامية هى ورود، يتم تعليقها فى عروة الجاكت الإعلامى للتجميل، وليس لها تأثير حقيقى فى الأداء الإعلامى، ولذا.. مطلوب قانون إعلامى يجرّم المساس بالحياة الشخصية للمسؤولين العموميين.. مطلوب تشريع يجرّم من ينشر أخباراً عن المسؤولين لا علاقة لها بعملهم أو بالدور الذى يقومون به فى خدمة هذا الوطن.. مطلوب أن نجعل ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. وأن نفرق بين حياة النجوم وحياة المسؤولين. والسؤال الذى تتم إثارته: هل المهم للمجتمع هو أداء المسؤولين ونجاحاتهم، خاصة إذا كانت موثقة ومشهوداً بها ولها، أم البحث فى سراديب حياته الشخصية، وفى دواليب ملابسه للبحث عن دليل على اتهامه بالفساد أو بالكسل؟ لماذا نضيع جهودنا فيما لا ينفع؟ ولماذا نجعل المسؤول يفكر ألف مرة قبل أن يقدم خدماته لهذا الوطن؟!