حملت الأنباء الواردة حديثاً من موريتانيا الخبر التالى: أشرف الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز، مساء الأحد 27 يناير 2019، فى نواكشوط، على حفل إعادة تسمية أكبر شوارع العاصمة باسم شارع الوحدة الوطنية بدلاً من شارع جمال عبد الناصر. وأكد وزير الداخلية الموريتانى أحمد ولد عبد الله أن تغيير اسم هذا الشارع هو تعبير من الرئيس الموريتانى عن حرصه على صيانة الهوية الموريتانية وتعزيز دعائم الوحدة الوطنية.
أدهشنى هذا الخبر وما كان له أن يدهشنى لو أن تغيير اسم الشارع قد قام به رئيس الحى من سكات، باعتبار أن المجالس البلدية لها أن تقوم بتسمية الشوارع وتغيير الأسماء دون مشاركة كبار المسؤولين، أما أن يحضر رئيس الجمهورية وقائع احتفال أقيم خصيصاً لإزالة لافتة ووضع لافتة على ناصية شارع فهو الأمر المثير للغرابة، إذ ما هو الإنجاز الذى يقتضى وجود الرئيس فى عمل أقل من روتينى وأبسط من عادى يمارسه الموظفون الكواحيل فى كل مكان بالعالم؟. لا بد أن لهذا العمل دلالة سياسية دعت الرئيس إلى المشاركة فيه، فهل يمكن أن يميط تصريح وزير الداخلية اللثام عن الموضوع بتبريره تغيير اسم جمال عبد الناصر بأنه لأجل صيانة الهوية الموريتانية وتعزيز دعائم الوحدة الوطنية؟. هل كان اسم عبد الناصر الذى حمله الشارع طوال نصف القرن الماضى داعياً إلى الفرقة فى الشارع الموريتانى ومسبباً للارتباك بالنسبة للهوية الوطنية؟، وما الذى يجعل كل هذه الأهداف النبيلة تتحقق بمجرد إحلال لافتة مكان أخرى؟، ولماذا تأخر هذا العمل العظيم كل هذه السنين؟، ولماذا لم يمنحوا الاسم الجميل الجديد لشارع جديد؟، وهل هناك نية لإطلاق اسم الوحدة الوطنية على شوارع أخرى بربوع الدولة حتى تحل البركة على كل الأحياء فى كل المدن؟.
إن سبب أسئلتى هذه هو أننا اعتدنا فى بلادنا أن نمحو الأسماء المرتبطة بالعهد البائد ونعيد تسميتها، مثلما جعلنا فى مصر شارع فؤاد يصبح 26 يوليو، وشارع فاروق يصبح شارع الجيش، وشارع سليمان باشا يصبح طلعت حرب.. فهل قامت ثورة فى موريتانيا ضد عبد الناصر؟، وهل كان الرجل يمثل أشياء يرفضها الشارع الموريتانى؟. إن المحزن فى الأمر أن الغضب على عبد الناصر لا يأتى أبداً بسبب ديكتاتوريته واستبداده والدولة البوليسية التى أقامها، إذ إن كل هذه الأشياء معلومة للكافة ولم تمنع تكريمه وإطلاق اسمه على شارع كبير بكل عاصمة عربية تقريباً، وإنما بسبب الأشياء الأخرى التى ما زلنا نذكر الرجل بالخير لأجلها وأولها انحيازه للفقراء وموقفه من إسرائيل، فهل يعتبر هذا الإجراء رسالة غزل لمن يعنيهم الأمر فى المنطقة، سواء كانت إسرائيل أو الدول العربية النافذة المرتبطة بها؟!.
ليت كل الدول العربية تقوم بتغيير لافتات شوارع جمال عبد الناصر نتيجة انحياز مفاجئ لقيم الديمقراطية التى عاداها الرجل، لا بسبب رغبة فى التفريط يزعجها مجرد وجود اسمه!.