نشرت صحيفة الجمهورية مقالاً للكاتب الصحفي ” إبراهيم أبو كيلة ” بعنوان : ( الدولار والأسعار ) ، وجاء كالتالي :
عندما بدأ الدولار الأمريكي رحلة الهبوط البطيء أمام الجنيه المصري بعد رحلة الصعود السريع .. استبشر الناس خيراً .. خاصة محدودي الدخل الذين كوتهم نار الغلاء وتوقع البعض ان تنخفض أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت هي الأخرى بحجة ارتفاع سعر الدولار.. ولكن المنتجين والتجار كانوا متأكدين ان انخفاض الدولار هو انخفاض وقتي لظروف عارضة وأنه سيعاود الصعود مرة أخري.. فلم يخفضوا أسعار سلعهم وخدماتهم.. ليظل البيت المصري يئن تحت وطأة الغلاء الفاحش.
وساهم المواطنون أنفسهم في صنع الغلاء.. رفع العمال وأصحاب المهن أجورهم بحجة ارتفاع الدولار وزيادة الأسعار.. مما أدي إلي ارتباك سوق العمل.. وأصبح أكثر المتضررين من هذا الوضع هم أصحاب الدخول الثابتة.. الذين لم تزد دخولهم زيادات تواكب هذا الغلاء الفاحش.. بل ان أجورهم ورواتبهم وان كانت ثابتة الا انها انخفضت فعلياً إلي أكثر من النصف.. بعض قرار تعويم الجنيه وانخفاض قيمته.
في ظل هذا الوضع لم يعد معظم المصريين يستطيعون تدبير قوت يومهم بعد ان تضاعفت أسعار السلع الغذائية الأساسية كالسكر والأرز والزيت ورغيف الخبز.. وكذلك أسعار اللحوم والدواجن والأسماك.. ولم يعد المريض قادراً علي شراء دوائه بعد ارتفاع أسعار الدواء وندرته.. وارتفعت أسعار الكهرباء والمياه والغاز وكافة الخدمات.. وتضاعفت أسعار السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث.. وكذلك أسعار الحديد والأسمنت وباقي مواد البناء.. وزادت أسعار العقارات.. كل ذلك أدي إلي عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة.. وتضاعف حالات الطلاق.. بسبب عجز الأزواج عن توفير أقل قدر من المعيشة الآدمية لأسرهم.
لقد أصبح الوضع صعباً علي الجميع.. وارتفعت نسبة التضخم.. بسبب السياسات الاقتصادية العشوائية غير المدروسة.. وجشع التجار وطمع واحتكار المنتجين وتحكمهم في الأسواق والأسعار.. وانعدمت الرقابة وغاب الضمير.. والكل يتحجج باقتصاد السوق وحرية العرض والطلب.. ولم تفلح كل الاجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة.. ولم ينجح التعديل الوزاري في تخفيف حدة الغلاء وضبط الأسواق.
لن نلقي اللوم كله علي الحكومة فنحن أيضاً كمواطنين.. منتجين ومستهلكين.. نتحمل جانب كبير من اللوم.. لمشاركتنا في صنع الأزمات بممارساتنا الخاطئة من اخفاء للسلع.. وعدم ترشيد الاستهلاك.. ونحن لسنا ضد اجراءات الإصلاح لعلاج الخلل الموجود في الاقتصاد منذ سنوات طويلة.. ولكن ضد التوقيت الخاطئ لقرارات غير مدروسة وغير محسوبة النتائج والعواقب.. وضد احتكار بعض المنتجين وطمعهم وتحكمهم في الأسواق.. وضد جشع التجار وعشوائية رفع الأسعار واخفاء السلع وتعطيش السوق.. نحن في حاجة إلي رؤية اقتصادية واضحة ومدروسة.. وتقنين ما يعرف بالاقتصاد الحر وتفعيل دور الأجهزة الرقابية.. لمراقبة الأسواق ومحاسبة الجشعين والمحتكرين.. حتي يعود الاستقرار للأسواق ويتعافى الاقتصاد.