أقلام حرة

مقال للكاتب الصحفي ” عبد المنعم سعيد ” … وحدة سكنية بالدولار؟!

لا تكف مؤسسات الدولة عن إدهاش الخلق بما تتخذه من قرارات تدل على أن فكرة الإصلاح الاقتصادى لم تستقر بعد داخل أدمغة البيروقراطية المصرية، والأرجح ربما أنها لن تستقر أبداً يقول إنه طُرِحَتْ ١٨ ألف وحدة سكنية بالدولار للمصريين العاملين فى الخارج على لسان مى عبدالحميد، رئيس مجلس إدارة صندوق التمويل العقارى، والمدير التنفيذى لصندوق تمويل الإسكان الاجتماعى. مثل ذلك كان وارداً وحادثاً قبل قرارات ٣ نوفمبر ٢٠١٦ عندما أخذت مصر القرار الشجاع بـ«تعويم الجنيه المصرى» لكى يكون عاكساً لحركة العرض والطلب. قبلها لم يكن الحال كذلك، وكانت هناك أسعار متعددة للعملة المصرية فى السوق السوداء والأخرى البيضاء والثالثة الخاصة باستيراد السلع الأساسية والأخرى لتلك غير الأساسية، والرابعة للمسافرين إلى الخارج ولديهم حسابات بعملة أجنبية صعبة، وهؤلاء الذين ليس لديهم مثل هذه الحسابات ولكنْ لديهم ظروف خاصة علاجية أو غير علاجية تستدعى سفرهم إلى الخارج فيكون لهم من السعر نصيب. كان هذا هو واقع حال الجنيه المصرى الذى كان باعثاً على كل الأمراض الاقتصادية، من أول فوضى السوق إلى استحالة حدوث استثمارات أجنبية أو محلية لا يعرف المستثمر كيف سيعمل على أساسها خطته الاستثمارية، وكيف سيدخل أو يخرج من السوق المصرية. ولأن الأمر بات عَسِراً كله لجأت الدولة إلى البحث عن الدولارات فجاءت فكرة بيع الأرض بالدولار للعاملين المصريين فى الخارج الذين احتفظوا بأموالهم حيث يقيمون لأنهم لا يعرفون «السعر الحقيقى» للجنيه، وفى أزمنة سابقة كان الدولار يستطيع شراء ثلاجات وسيارات والذى منه رغم أن الدولة المصرية كانت كاملة السيادة على أراضيها.

جرى «تعويم الجنيه» ودفع المصريون ثمن التضخم الحادث، وبعد عام من القرار الشجاع بدأت مصر فى حصد النتائج الإيجابية من ارتفاع تحويلات المصريين فى الخارج، وعودة الاحتياطيات القومية إلى معدلات ما قبل ٢٠١١ وأكثر، وتراجع عجز الموازنة ومعه عجز الميزان التجارى، وارتفاع قيمة الاستثمار الأجنبى فى مصر، وتدريجياً لم تعد هناك مشكلة دولارية فى المحروسة، ووقف الاقتصاد المصرى على قدميه باعتباره اقتصاداً طبيعياً تقاس فيه القيمة بمقياس واحد هو عملتها من الجنيه المصرى. مثل ذلك بات معلوماً للقاصى والدانى، ولكن هناك داخل المؤسسات العامة من لا يراها كذلك، ولا يزال يتصرف بنفس الطريقة التى كان يتصرف بها قبل حزمة القرارات الاقتصادية التى وضعت مصر على أعتاب الإصلاح، فكان مثل هذا القرار لبيع الوحدات السكنية بالدولار. القرار هنا لا معنى له، فالشراء بالدولار لن يضيف دولارات إلى السوق المصرية لأنه فى كل الأحوال كان المصرى فى الخارج سوف يحوِّل من الدولار أو أىٍّ من العملات الأخرى القابلة للتحويل لكى يشترى الوحدة السكنية التى يريدها. فما الحكمة من خلق عملية وسيطة من هيئة ليس من وظيفتها القيام بعمليات بنكية، ولا يوجد فارق لديها، ولا للسوق المصرية، إذا كانت الوحدة السكنية سوف تباع بالدولار أو الجنيه المصرى ما دامت حرية التحويل قائمة، وأن السعر الحقيقى قد تحدَّد فى السوق وفقاً لقواعد العرض والطلب.

للأمر نتائج سلبية أخرى لأنها تبقى أوضاعاً للفوضى الاقتصادية لم يعد هناك مبرر لوجودها، وسوف تعطى للمستثمر الأجنبى نفس الانطباع الذى كانت تعطيه له فى السابق، وهو أن مصر دولة خارج الحالة الطبيعية، وأن اقتصادها لا يزال بدائياً كما كان. أما المستثمر المصرى فسوف يكون أول ما يرد على باله هو أن الدولة كما «ريمة» قد عادت لعادتها القديمة فى اختراع وسائل لجذب الدولار حتى فى الأوقات التى لم تعد تحتاجه فيها. البيروقراطية المصرية لا تتخذ قرارات فقط تتعارض مع خطة الإصلاح الاقتصادى، ولكنها أكثر من ذلك تفرِّط فى السيادة النقدية للجنيه المصرى على أرض مصر وتخلق تمييزاً بين المصريين، ومعه تحفِّز على وجود سوق سوداء لا معنى لها. إذا كان لى اقتراح فى هذا الشأن فهو أنه من الضرورى إقامة دورات تعليمية وتدريبية للعاملين فى الحكومة والهيئات العامة على تطبيق القوانين والإجراءات الجديدة من أول تعويم الجنيه وحتى قانون الاستثمار واللوائح الخاصة به. إلى من يهمه الأمر، لا تعودوا بنا إلى الخلف؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى