أقلام حرة

مقال للواء سمير فرج بعنوان  : ( هل بدأت الانفراجة؟ )

  

نشرت صحيفة الأهرام مقالاً للواء سمير فرج تحت عنوان : ( هل بدأت الانفراجة؟ ) ، وفيما يلى أبرز ما تضمنه :

  فى مساء الاثنين الماضى بتوقيت القاهرة، كانت العاصمة الأمريكية واشنطن تستقبل نسمات الصباح .. تحدث الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى أول مكالمة له مع رئيس فى منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كان قد تحدث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى فى اليوم السابق، ودعاه إلى زيارة البيت الأبيض فى نهاية الشهر المقبل. ويبدو أن ترامب قد استهل مكالماته إلى المنطقة بمحادثة بنيامين نيتانياهو، فى محاولة لتخفيف حدة التوتر الذى أصاب العلاقات الثنائية جراء امتناع أمريكا، أخيرا، عن التصويت فى مجلس الأمن لصالح إسرائيل. وهو ما بدا للعامة وكأن أوباما قد تعمد اتباع سياسة «الأرض المحروقة» قبيل خروجه من البيت الأبيض، حتى مع حلفائه.

 ما يعنينا هنا، هو أن حديث ترامب مع السيسى كان أكثر من مطمئن، فيما يخص العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ استهل حديثه بدعوة الرئيس المصرى إلى زيارة البيت الأبيض فى أقرب وقت، مؤكداً استمرار الدعم العسكرى لمصر، ومؤكداً خطته للتعاون مع مصر فى حربها ضد الإرهاب. وضعت تلك الكلمات خطوطاً عريضة لاستراتيجية الولايات المتحدة فى تعاملها المستقبلى مع مصر، كحليف استراتيجى لها. تلك العلاقة التى ساءت كثيراً تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب دعمه جماعة الإخوان الإرهابية. فمن الناحية العسكرية، جمد المعونة العسكرية لمصر لمدة ثلاث سنوات متتالية، وأوقف إرسال شحنات الأسلحة التى كان قد تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة، بل ولم يكتف بهذا، وإنما تمادى فى الأمر لدرجة حجز الأسلحة والمعدات المصرية التى كانت تخضع لعمليات الصيانة الدورية فى الولايات المتحدة!

 وعلى الصعيد السياسي، وبعد موافقة الكونجرس الأمريكى له فى التصدى لداعش، ركز أوباما كل قواته فى «التصدي» لتلك الجماعات المتطرفة فى كل من سوريا والعراق، غير آبه بتمركزهم فى ليبيا، وكأنه تعمد تركهم ليظلوا شوكة فى الجانب الغربى للدولة المصرية. كما لم يقدم يد العون لمصر فى حربها ضد الإرهاب فى سيناء، ولا أعنى هنا التعاون العسكري، فجنود مصر قادرون، والحمد لله على الدفاع عنها، وإنما أقصد التعاون المعلوماتى والمخابراتي، أو المساعدة فى إيقاف تدفق الأموال من الخارج لتلك العناصر الإرهابية المتسللة إلى سيناء. وقد اتضح، جلياً، تعمد مساندته تلك الجماعات الإرهابية، عند توقيعه الاتفاق النووى مع إيران؛ إذ طالبته دول الخليج، بإدراج بنود فى تلك الاتفاقية، لإلزام إيران بإيقاف دعمها الجماعات والمنظمات الإرهابية التى تمثل تهديداُ مباشراً على أمن دول المنطقة، ومع ذلك لم يلتفت إلى هذا المطلب الجماعى من دول المنطقة المجاورة لإيران، وجاء الاتفاق خالياً من أى بنود تلزمها بمثل هذا التعهد.

 وعلى صعيد العلاقات الدبلوماسية، لم يوجه أوباما الدعوة من قبل للرئيس عبد الفتاح السيسى لزيارة البيت الأبيض، وهو رئيس أكبر دولة فى المنطقة، تمتد علاقاتها الاستراتيجية والدبلوماسية بالولايات المتحدة إلى تاريخ بعيد، يعتمد على المصالح المشتركة بين البلدين. وكانت تلك إشارة واضحة منه بأنه وإدارته ضد الدولة المصرية وإدارتها، بالرغم مما قدمته له مؤسسات الفكر والرأى الأمريكية Think Tanks من تقارير أكدت فيها أن ما حدث فى 30 يونيو 2013، لم يكن انقلاباً عسكرياً، كما كان يصر أوباما على تصويره، وإنما ثورة شعبية ساندها الجيش.

 والآن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بعدما خاض انتخابات عنيفة، تكتل فيها الإعلام الأمريكي، وبعض الإعلام الأوروبى بل والعربي، ضده، وهو ما كان كفيلاً بتغيير دفة الأمور، ولكنه اجتاز كل ذلك ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، حاملاً فى جعبته فكراً جديداً ورؤية واضحة تجاه مصر، مفاداها استئناف العلاقات الاستراتيجية على أساس التعاون المشترك، الذى يتضمن استمرار الدعم العسكرى الأمريكى لمصر، ومعاونتها فى القضاء على الإرهاب، بما يضمن الاستقرار الأمنى والاقتصادى لمصر من ناحية، وتأمين المصالح الأمريكية فى المنطقة من ناحية أخرى.

 وقد يتساءل البعض عن السبب وراء عدم تحديد موعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، أثناء المحادثة الهاتفية، مثلما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهنا أؤكد أن مثل هذه النوعية من اللقاءات، تتطلب نوعاً خاصاً من الإعداد، خاصة بعد غياب طويل عن موائد المحادثات الثنائية فى البيت الأبيض. إذ يتم إعداد قوائم بالموضوعات التى يرغب الرئيس المصرى فى تناولها مع الرئيس الأمريكى فى أثناء اللقاء، سواء على المستوى السياسي، أو العسكرى أو الاقتصادي، ويتم إعداد الملفات التفصيلية لكل موضوع عن طريق فرق عمل متخصصة سواء فى الرئاسة أو الحكومة أو المؤسسات القومية. يلى ذلك عقد لقاء مع النظراء الأمريكيين، للمناقشات الأولية، والاتفاق على تقسيم الموضوعات وفقاً لجداول زمنية، تعكس الأهمية بالنسبة للطرفين، ثم أخيراً يتم الاتفاق على الموعد المناسب للزيارة. وفى تقديرى الشخصي، فإن فترة الإعداد المشار إليها، قد بدأت بالفعل فور انتهاء الرئيسين من محادثتهما الهاتفية، وأتوقع أن تمتد فترة الإعداد حتى النصف الأول من مارس 2017، على أن تتحدد الزيارة فى النصف الثانى من مارس أو أوائل أبريل 2017، ليبدأ عهد جديد من التعاون المصري-الأمريكي.

 وسيطل علينا، خلال الفترة القليلة المقبلة، عدد من المحللين والمفكرين، لمناقشة مستقبل العلاقات المصرية الروسية والأوروبية والصينية، وهو ما لا يتعارض، إطلاقاً، مع التقارب الأمريكي، فى ظل الإدارة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسى فى ملفات السياسات الخارجية، وهو ما برز بوضوح خلال إدارته للسنوات العجاف مع الرئيس أوباما، متحملاً كل تلك الأعباء والضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية، دون أن يصل بها إلى حد الصدام.

 وأخيراً، فقد يتساءل البعض عن سر هذا التفاؤل، خاصة بعد زيارة أوباما إلى القاهرة، فور توليه الحكم، وخطابه فى جامعة القاهرة الذى استهله بتحية السلام عليكم وألهب به مشاعر المصريين … وقد يضيف البعض أن الأمريكان ملهومش أمان ولكنى أقول بثقة إن الانفراجة قد بدأت بالفعل، وأتمنى أن تثبت الأيام والسنوات المقبلة صحة كلماتي.

زر الذهاب إلى الأعلى