نشرت الصحيفة مقالاً للكاتبة مي عزام بعنوان : ( ماذا نريد من رئيس مصر القادم ؟ ) .. وجاء كالتالي :
الانتخابات الرئاسية القادمة تشغل بال المصريين ، السيسى هو الوحيد، حتى الآن ، الذي أعلن عن ترشحه لفترة ثانية، ورغم أننى لا افضل ذلك لأسباب عدة، كتبتها في مقال بعنوان «افعلها ياريس ولاتترشح لفترة ثانية«
ولكن كثيرا ما تأت الرياح بما لا تشتهى السفن، لم يظهر على الساحة حتى الآن، من يقدم نفسه مرشحا منافسا للسيسى، المعارضة لم تتفق حتى الآن على اسم مرشح ينافس الرئيس، الذي كانت فترته الأولى ثقيلة، تقلصت فيها مساحة الحريات، وزادت الديون وارتفعت الأسعار وتخلصت الدولة من دورها تجاه الشعب، فبدا الأمر أنه عطاء من طرف واحد، الشعب يعطى والحكومة تنفق على كيفها، ولا تضع الشعب وخاصة الفقراء والطبقة الوسطى في اعتبارها وهى تخطط لتعويم الجنيه ورفع الدعم والاستثمار في مجالات لا تعود بالنفع السريع على الناس وتزيد من حركة في السوق، فلم تهتم بالتصنيع ولا الزراعة ولا عودة السياحة ، والنتيجة ارتفاع معدلات التضخم وساد الركود، وأنا هنا لا أغفل ما تم من إنشاءات ومشاريع في فترة السيسي ، ولكن جميعها لم تهتم بمفهوم الأولويات، فجاءت مخيبة للآمال
منذ عام تقريبا أعلن الدكتور عصام حجي، عن تكوين فريق رئاسي للترشح في انتخابات 2018، وجاء في الخبر حينذاك أن عدداً من قوى ثورة يناير وحركات التغيير بمصر بصدد إعداد برنامج الفريق، الذي يركز على كتابة الأفكار والحلول لخمس قضايا رئيسية هي: التعليم والصحة والاقتصاد والمساواة والمرأة، وقيل وقتها إن هناك خبراء سيساعدون الشباب على إنجاز هذا البرنامج، وكان من المتوقع أن يتم الانتهاء منه والإعلان عنه في هذه الفترة، فبالنسبة لأى مرشح رئاسى لم يبق أمامه إلا وقت قصير، ليبدأ العمل والترويج لمشروعه وبرنامجه، الذي سيقدمه للمصريين وينافس به الرئيس الحالى صاحب الحظ الوفير في فترة رئاسية ثانية بحكم وجوده على رأس السلطة التنفيذية.
هناك الكثير من الاجتماعات بين شخصيات عامة وقوى وطنية في شأن الانتخابات الرئاسية القادمة، لكن هذه المشاورات لم تحسم حتى الآن السؤال المطروح: هل نشارك في الانتخابات أم نقاطعها كموقف سياسى؟، كما أنه لم يتم تقديم ورقة عمل إلى الرئيس القادم أيا كان شخصه، تكون بمثابة عقد اجتماعى بينه وبين الشعب، يظهر حق كل طرف وواجباته وما على الرئيس أن يلتزم به وينفذه نيابة عن الشعب، التردد وعدم اليقين سمة هذه الفترة، وهو ما يمنع عنا وضوح الرؤية والتوحد على هدف واضح .
سأذكر هنا مثالا عن دور المجتمع المدنى، في مارس من العام الماضى أصدر «جاك أتالي»، وهو أستاذ اقتصاد وكان المستشار الشخصي للرئيس الراحل فرانسوا ميتران لمدة 10 سنوات وله العديد من الكتب والدراسات، كتابا عنوانه «100 يوم من أجل إنجاح فرنسا» قبل عام من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في إبريل ومايو من هذا العام، الكتاب عبارة عن دراسة أجريت تحت إشرافه، على مدار عام كامل دون أي تمويل من أي جهة أو حزب، شارك فيها خمسون باحثا وكاتبا، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الطلبة قاموا باستقصاء رأى آلاف الفرنسيين الذين ينتمون إلى مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية والأصول والكفاءات، لوضع إطار لصورة فرنسا التي يرغبون فيها، وقام الباحثون في تحويل ذلك لخريطة طريق لتقديمها للرئيس القادم لتكون برنامج عمله ليصل إلى النجاح المنشود.
فرنسا، كما يراها أتالى في أسوأ وضع ممكن، فهي دولة بدون أفق أو مشروع، وتعاني من حالة جمود (لا داعى للمقارنة بيننا وبينهم) وبالتالي لا بد من إجراء إصلاحات حقيقية عن طريق الرئيس المقبل، ويركز برنامج الـ100 يوم على أهداف ثلاثة: أن يحقق كل فرنسى تطلعاته وطموحه، أن تستطيع الشركات الحفاظ على بقائها وتماسكها، وأن تنجح فرنسا في الحفاظ على هويتها. نحن أيضا كان لدينا برنامج الـ100 يوم الذي قدمه الرئيس المعزول مرسى في يونيو عام 2012 الذي تمحور حول حل خمس مشاكل يومية في حياة المواطن وهى: إعادة الأمن والاستقرار، ضبط المرور، توفير الوقود، تحسين رغيف العيش، وحل مشكلة القمامة، جزء من هذه المشاكل حلت الآن، ولكن يبقى مشروع مصر الأساسى غائبا عن أذهان النظام والنخبة والشعب.
حمل «جاك أتالى»، الطبقة السياسية الفرنسية المسؤولية عن الوضع السيئ لفرنسا، لأنها انشعلت بالخصومات الشخصية والمنافسة من أجل الوصول للسلطة، ولم تكترث بالبحث عن مشروع جاد للبلاد يخرجها من عثرتها، وهو ما حدث لنا بعد ثورة يناير، حين تم تأسيس عدد كبير من الأحزاب ـ ليس لها دور ولا شعبية ولكن مجرد لافتة واسم وبحث عن شهرة زائفة أو سبوبة. أو سلم للسلطة. البرنامج الذي قدمه «أتالى»يسعى لتحقيق العدالة والإنصاف بين المواطنين، حماية الحريات، الوصول إلى المعرفة والاهتمام بالثقافة، حماية البيئة، ربط الثروة بالعمل، الانفتاح على الآخرين والعالم، الحفاظ على مصالح الأجيال القادمة، التأكيد على التجديد والاستقامة، الرقابة المالية الحازمة على البرلمانيين والجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. كما اقترح البرنامج أن تكون الفترة الرئاسية سبع سنوات غير قابلة للتجديد، بدل فترة الخمس سنوات المعمول بها الآن والقابلة للتجديد، وكلها أهداف يسعى لها الشعوب في كل بلدان العالم ومنها مصر.
لايهم إذا كان الرئيس الفرنسى المنتخب «ماكرون» قد قرأ الكتاب أم لا، يكفى أن المجتمع المدنى قام بدوره، وساهم في رفع الوعى بين المواطنين والمشاركة بالفكر في صنع مستقبل الوطن. لقد انتخبنا السيسى دون برنامج، وتم الترويج وقتذاك بأنه لا داعى لبرنامج في تلك الظروف الاستثنائية، فهو مرشح الضرورة، ولكن بعد ثلاث سنوات من حكمه، ثبت خطأ هذا الاعتقاد، وأعتقد أن الفرصة الثانية متاحة دائما… علينا على الأقل، وهذا أضعف الإيمان، أن نضع كشعب بخبرائه وعلمائه ونخبته خريطة طريق للسيسى أو لغيره ونضع قواعد قانونية تجبر أي رئيس على الالتزام بهذا العقد الاجتماعى.. حتى لا نظل مجرد أصفار على الشمال في معادلة الحكم في مصر.