نشرت صحيفة الشروق مقالاً لعماد الدين حسين بعنوان : ( نهاية الوساطة الكويتية.. وبداية التدخل الأمريكى ) ، وجاء كالتالي :
يبدو أن الرهان على الوساطة الكويتية لحل الأزمة القطرية قد انتهى تماما، بزيارة أمير الكويت للبيت الأبيض، واجتماعه مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نهاية الأسبوع الماضى.
ومن الواضح أن شرخا حدث بين الدول العربية الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع الكويت، لأن بعض كلمات الأمير صباح الأحمد قد فهمت باعتبارها انحيازا كويتيا للموقف القطرى، بعد أن قال الأمير ما معناه أنه «لا يجب أن يكون هناك تفاوض يمس السيادة القطرية».
حينما تصدر البلدان الأربعة بيانا تقول فيه: «إنها تأسف لتصريحات أمير الكويت»، فالمؤكد أن الوساطة الكويتية وصلت إلى طريق مسدود.
وبالتالى يمكن القول، إننا ربما نكون بدأنا مرحلة التدخل الأمريكى الصريح.
منذ بداية الأزمة لم تكن واشنطن تريد أن تظهر فى الصورة باعتبارها «الفتوة والمعلم»، وتركت الأمر للكويت لكنها كانت بطبيعة الحال تتحرك من وراء الستار وأحيانا تظهر فى الصورة بسرعة ثم تنسحب.
وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيرلسون زار المنطقة وجال على العواصم المعينة قبل أكثر من شهر، وهو الأمر الذى فعله عدد كبير من وزراء الخارجية الأوربيين، لكنهم فشلوا تماما فى إحراز أى تقدم، وتجمدت الأزمة ودخلت الثلاجة، إلى أن تحركت الكويت مرة ثانية، من دون أن تقدم ما يعطى البلدان الأربعة أى حافز للجلوس مع قطر على مائدة التفاوض. وهكذا عاد الأمر مرة ثانية إلى واشنطن، التى قالت إنها ستتحرك مباشرة، وهكذا جاءت اتصالات ترامب مع قادة السعودية والإمارات وقطر مساء الخميس الماضى.
التحرك الأمريكى أسفر عن أول اختراق حقيقى فى الأزمة حينما قام أمير قطر تميم بن حمد بمهاتفة محمد بن سلمان ولى عهد السعودية ليلة الجمعة الماضية. لكن هذا الاختراق تم إجهاضه بعد نصف ساعة فقط، لأن وكالة الأنباء القطرية سارعت، وبثت تقريرا عن الاتصال الهاتفى، فهمه البعض وكأن ولى العهد السعودى هو الذى بادر بالاتصال، وقالت كلاما اعتبره بيان سعودى لاحق غير صحيح، والنتيجة أنه تم تجميد التفاهم، والاصرار على أن تتسق الأقوال القطرية المعلنة مع التعهدات التى تقال بعيدا عن الإعلام.
من الواضح أن قطر صعدت إلى شجرة عالية جدا، ولا تعرف كيف تنزل منها بطريقة تحفظ ماء وجهها، وفى كل مرة تلجأ للتصعيد الإعلامى، وهدفها الأساسى الآن الوقيعة بين الدول الأربع خصوصا بين السعودية والإمارات.
الأمريكيون طلبوا من الدوحة تقديم بعض التنازلات، ويبدو أنها تريد أن تنفذ بعضها، لكنها لا تريد أن تفعل ذلك علنا حفاظا على ماء وجهها أمام مواطنيها وكذلك أمام جماهير تيار الإسلام السياسى الذين يتعاملون معها باعتبارها قائدة المسيرة!!.
ومن الواضح أيضا أن الذين «يوظفون» قطر من الولايات المتحدة لم يحسموا أمرهم حتى الآن، وربما هذا هو المفسر الأساسى للسلوك الأمريكى الغريب والمريب منذ اندلاع الازمة وحتى الآن.
نرى ترامب لا يزال يغرد بين حين وآخر ويطالب قطر بالتوقف عن دعم الإرهاب وتمويله، لكن فى المقابل فإن البنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكية لا تزال توقع عقود التسليح مع الدوحة، وترسل بعض السفن لإجراء تدريبات مشتركة، وقاعدة العديد تعمل على قدم وساق.
وقطر لا تزال أحد المفاتيح الأمريكية فى المنطقة، ليس فقط لمراقبة إيران أو شن الهجمات التليفزيونية على تنظيم داعش انطلاقا من العيديد القطرية، ولكن لابتزاز منطقة الخليج رغم أن بلدانا خليجية عرضت استضافة القاعدة العسكرية فى أراضيها.
ما الذى تريده امريكا؟. لا أحد يعلم تفصيلا، لكن حتى الآن يبدو أنها لن تسمح بتركيع قطر، وفى نفس الوقت لا تستطيع خسارة بقية الشركاء الأربعة.
وبالتالي فنحن أمام سيناريوهات متعددة تبدأ من استمرار تجميد الأزمة انتظارا لبعض المتغيرات أو إعلان قطر فجأة الموافقة على الطلبات الثلاثة عشر، وهو أمر مستبعد، أو ضغوط أمريكية على الطرفين للوصول إلى حل وسط أو موافقة قطر على بعض الطلبات شرط أن يتم تنفيذها سرا وعلى فترة أطول. أو أن تحسم الولايات المتحدة أمرها وتكشف أوراقها وأن يكون كلامها عن مناهضة الإرهاب، مطابقا لمواقفها على الأرض فعلا.
لكن من الواضح أن المفاجآت لا تزال واردة فى ملف هذه الأزمة التى بدأت منذ ٥ يونيو الماضى ولا تزال مستمرة، ومفتوحة على كل الاحتمالات.