نشرت صحيفة الشروق مقالاً لخالد سيد أحمد بعنوان : ( هل فعلا تغيرت «حماس»؟) ، وجاء كالتالي :
حالة الحفاوة البالغة التى تسيطر حاليا على الخطاب الرسمى المصرى تجاه حركة حماس، والتى انعكست بدورها على الإعلام القريب من السلطة، الذى بدأ فى تغيير مفرداته تجاه الحركة بعد سماحها لحكومة الوفاق الفلسطينية بتسلم مهامها فى قطاع غزة، ووصفه لها بـ«الحكيمة والشجاعة»، بعد ان كان يتهمها ليلا ونهارا بدعم الإرهاب فى سيناء، يدفعنا إلى التساؤل: «هل فعلا تغيرت «حماس»؟!.
ندرك تماما ان الحفاوة الرسمية المصرية لها ما يبررها، فالقاهرة جل ما يهمها فى هذا الملف، ضبط الحدود مع قطاع غزة، وتجفيف منابع التمويل المالى والعسكرى والبشرى، لمخزون التطرف والعنف والإرهاب فى شبه جزيرة سيناء، ومحاولة تفكيك سيطرة أطراف إقليمية ــ بينها وبين مصر خلافات عميقة ــ على القرارالسياسى لـ«حماس»، اضافة إلى السعى لترميم الجسد الفلسطينى الذى مزقته حدة الانقسام، قبل الدخول إلى مرحلة جديدة لم تظهر تفاصيلها الكاملة بعد، فى اطار ما يسمى بـ«صفقة القرن» لتحقيق السلام المفقود فى هذا الصراع الممتد منذ عقود مضت.
عودة إلى السؤال السابق: «هل فعلا تغيرت حماس»؟. بالتأكيد الحركة التى تعتبر جزءا من جماعة الإخوان المسلمين، تحمل كل الصفات الجينية لهذه الجماعة.. فهى براجماتية إلى أقصى درجة، وعلى استعداد لعقد صفقات فى أى وقت طالما كان ذلك لمصلحتها، ولديها القدرة على تغيير بوصلة توجهاتها وسياستها وحتى جلدها، طالما كان ذلك يصب فى خدمة أهدافها الخاصة.
فالحركة بعدما وجدت نفسها، غير قادرة على تلبية احتياجات القطاع المحاصر، الذى استفردت بحكمه وسلخته عن جسد الوطن منذ انقلاب 14 يونيو 2007، قررت التخلص من هذا «العبء الثقيل»، فاستجابت لضرورات الأمن القومى المصرى وبدأت فى ضبط الحدود بعدما كانت تتغاضى عن ذلك، وأعلنت عن فك ارتباطها مع التنظيم الدولى للإخوان، واصبحت تردد: «نحن جزء من المدرسة الإخوانية فكريا، لكننا تنظيم فلسطينى قائم بذاته، مرجعيته مؤسساته القيادية وليس تابعا لأى تنظيم هنا أو هناك»، وفق تصريحات رئيس مكتبها السياسى السابق خالد مشعل، كما أقدمت وبشكل صادم على التوصل إلى تفاهمات مع «عدوها اللدود» محمد دحلان، القيادى المفصول من حركة فتح، رغم انها حتى وقت قريب، كانت تحمله مسئولية دماء بعض قادتها الذين اغتالتهم إسرائيل فى أوقات سابقة.
لم تقف التغيرات السياسية «الحمساوية» عند هذا الحد، بل سمحت لحكومة الوقاف الفلسطينية برئاسة رامى الحمد الله، بتسلم مهامها فى غزة الأسبوع الماضى، وأعلنت عن التزامها بالاتفاقيات السابقة مع حركة فتح وجاهزيتها للبدء بتنفيذها وفق اتفاق المصالحة الفلسطينية الذى تم توقيعه فى القاهرة عام 2011.
بلا شك هذه الخطوات مجتمعة، لو كانت نابعة من رغبة حقيقية فى اعادة اللحمة للجسد الفلسطينى من جديد، فإنها محل ترحيب من الجميع، لكن «سوابق حماس» فى الكثير من الاتفاقات التى توصلت اليها من قبل مع حركة فتح، تؤكد دائما ان التغيير الحادث الآن ليس أكثر من مجرد هدنة تكتيكية من الحركة لالتقاط الأنفاس ورمى مسئولية القطاع على عاتق السلطة الفلطسينية، التى ستصبح مطالبة الآن بتوفير المأكل والمشرب لسكانه وتأمين خروجهم ودخولهم اليه بشكل منتظم، وتخفيف الضغوط الدولية عليها.
«الشيطان يكمن فى التفاصيل».. وفى ملف المصالحة الفلسطينية يوجد ألف شيطان، سيظهر فقط عندما تبدأ الاجتماعات المهمة والحاسمة بين حركتى «فتح» و«حماس» فى القاهرة هذا الأسبوع، لانها ستتناول «التفاصيل الخاصة بتمكين الحكومة الفلسطينية من استلام مهامها فى غزة والخطوات المقبلة»، وهذه الجملة تعنى باختصار مصير السلاح فى يد «حماس».. فهل ستقبل الحركة بآلية معينة لتنظيم استخدامه وفقا لاتفاق فلسطينى عام؟، أم ستعتبره «خط أحمر» لا يجوز لاحد الاقتراب منه، وانها فقط صاحبة القرار فى استخدامه وقتما تشاء؟، واذا كان الأمر كذلك فكيف ستتعامل «حماس» مع تصريح رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس بإنه «لن يسمح أن يكون فى القطاع نموذج وتجربة حزب الله فى لبنان»؟.. سننتظر لنرى.