نشرت صحيفة الوطن مقالاً للكاتبة أمينة خيرى بعنوان : (أرواح الملايين الرخيصة ) وجاء كالتالي :
استمراراً لمسلسل «القربة المقطوعة» والنفخ فيها رغماً عن التجاهل وبغض النظر عن التعامى عن المسئولية، فأنا على النهج سائرة وعلى الإهمال نفسه ثائرة ومن أجل الغرض نفسه مطالبة. العشرات الذين يسقطون يومياً قتلى على الطرقات يستحقون ما هو أكثر من ضابط يتكتك على الموبايل بينما يجلس على دراجته النارية، وأمين يلوّح بدفتر مخالفات مع عودة أكيدة لورقة مطوية قوامها 20 أو 50 أو 70 جنيهاً بحسب المكانة الاجتماعية للمخالف، وأفراد مرور يقعون فى «حيص بيص» حين تتعطل إشارات المرور فى الميادين والشوارع فلا يلتفت لهم مخالف أو يعبأ بوجودهم ضارب بقانون أو سائر عكس الاتجاه، أو هاوٍ لسرعة طائشة تقتل وتصرع دون رقيب أو محاسب. نور أحمد (19 عاماً) رحمها الله، طالبة الجامعة الأمريكية، هى من المنضمين الجدد إلى قائمة صرعى الطرق المصرية وضحايا غياب إدارة المرور التابعة لوزارة الداخلية المصرية.
«نور» فقدت حياتها فى شارع التسعين فى التجمع الخامس قبل أيام. سيارتان ملاكى كانتا تتسابقان على الطريق، وهى السباقات التى باتت عادية فى كل الطرق المصرية دون استثناء منذ غابت إدارة المرور لأسباب غير معلومة. إحدى السيارتين استقرت على رأس «نور» التى كانت جالسة على المقعد الخلفى لسيارة ثالثة كانت تستقلها مع شقيقتها وأحد الأصدقاء. فارقت «نور» الحياة بعد أيام قليلة من الحادث. سائق السيارة القاتل الذى كان يسير على سرعة قدرت بنحو 170 كلم/الساعة، سافر إلى السعودية آمناً مطمئناً. «نور» المسكينة ليست إلا حالة واحدة من بين نحو 15 ألفاً يفقدون حياتهم على الطرق المصرية سنوياً، بالإضافة للآلاف من الإصابات والإعاقات الأخرى الناجمة عن جنون القيادة وعنجهيتها والسرعة الزائدة والجهل التاااااااام بقواعد القيادة مع الغياب شبه التام لتطبيق القانون على المخالفين لأسباب تتعلق بسرعات زائدة وأعمال جنونية على الطريق لا تمت للمنطق البشرى بصلة. «التدين الفطرى» يدفع البعض إلى إلقاء كارثة قتلى الطرق فى مصر كلية على القضاء والقدر.
صحيح أن كل كبيرة وصغيرة هى قضاء وقدر، لكن القضاء لا يعنى السماح لمعتوهين وبلطجية بالقيادة، والقدر لا يعنى غض طرف وزارة الداخلية تماماً عن هذا الجنون على الطريق. لمحات أراها وأعيشها يومياً شأنى شأن ملايين المصريين تحولت إلى أمور عادية. ضابط شرطة ينتظر شيئاً ما (غالباً مرور شخص مهم) يجلس على دراجته النارية يحملق فى هاتفه المحمول عند مدخل «عزبة الهجانة» بينما تركض حوله التكاتك المارقة الهادرة غير المرخصة التى يقودها أطفال وهم آمنون مطمئنون مبتهجون. لجنة مرورية على طريق السويس تمر من بين أيديها سيارات دون لوحات أرقام تسابق الريح وتصارع الزمن (ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى ظاهرة لوحات الأرقام لسيارات ملاكى السويس المكتوبة بخط منمنم لا يمت لإدارة المرور بصلة). عربات كارو يجرها حمار تظهر بين الحين والآخر رغم السيارات الطائرة إلى جوارها. سيارات نقل بمقطورة وبدون تصارع الملاكى دون رادع. سيارات «الثمن» السوزوكى كثيرة الانقلاب على الطريق تكاد تطير فوق السيارات المتناحرة. وكلما زاد عدد الحارات تفاقمت حوادث الطريق.
الخطوط المحددة للحارات لا تعنى شيئاً لجموع المتصارعين، ويا ليله يا سواد ليله من التزم حارته المرورية. ولا مانع أبداً من أن يقوم أحدهم باختراق الصحراء أقصى يمين الطريق حتى يثبت وجهة نظره فى سباق الرالى على طريق السويس ويجتاز السائر على يسار الطريق، ولأننى ما زلت أتمسك ببراءة الطفولة بالإضافة لسذاجة الكهولة، فإننى أتكبد عناء سؤال من أصادفهم من ضباط أو أمناء شرطة تابعين لإدارة المرور عن أسباب ترك التكاتك هكذا، أو السيارات المخالفة هكذا، أو السائرين عكس الاتجاه هكذا، أو المبرطعين على الطريق هكذا، أو الضاربين بقواعد المرور عرض الحائط هكذا، فإن كل ما أتلقاه إما مبررات لا صلة لها بالموضوع، أو ابتسامات لا علاقة لها بما أتحدث فيه، أو إنكارات لا تمت لأرض الواقع بصلة.
ليس هذا فقط، بل إن أصدقاء يدافعون عن ترك إدارة المرور حال الطرق وانعدام النظام والقانون فيها تماماً بقولهم إن الشرطة بوجه عام تحتاج تدريباً لا تتوافر له الموارد، أو إنها فى حاجة إلى مركبات غير موجودة، أو أن الجو العام لا يساعد، أو أن المواطنين يقاومون النظام، وقائمة طويلة من المبررات الواهية. فمبدئياً، هل يقوم رجال المرور الذين يوجدون فى الشوارع أحياناً بما يتوجب عليهم القيام به من ضبط مخالفى السرعة وليس فقط التدقيق فى الرخصة أو توقيف سيدات وآنسات للتأكد من رخص قيادتهن؟ وهل سير الدراجات النارية دون لوحات أرقام أو عكس الاتجاه لم يعد مخالفة تستوجب العقاب؟ وهل التروسيكل الذى يسير على ثلاث دون لوحة أرقام يعامل معاملة البسكلتة؟ وهل وجود كارو على طريق القاهرة – السويس أمر عادى؟ ولماذا لا يوجد رادار على هذه الطرق المميتة؟ وإن كان هناك رادار، كيف يمكن لهذه السيارات الطائرة أن تضرب به عرض الحائط دون توقيف؟ وإن كان القانون يطبق على الجميع، فكيف لضابط أن يسمح لنفسه بأن يوقف سيارته فى الملف أو على شريط المترو فى منتصف الشارع أو تكون سيارته دون لوحة أرقام أو ذات أرقام مطموسة أو ذات زجاج «فيميه» رغم أنه أحياناً يتم توقيف السيارات ذات الزجاج المعتم لأنها مخالفة للقانون؟ هل مثل هذه الخطوات تحتاج تدريباً يكلف الملايين؟ أم أن أرواح الملايين أرخص؟!